الإجابة:
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن
والاه، أمَّا بعدُ:
فالطَّلاق مباحٌ في الشريعة الإسلامية عند الحاجة إليْه، وليْس
مكروهًا ولا محرَّمًا؛ وذلك لدفْع سوء خلُق المرْأة، أو سوء عشرتِها،
أو لعدم رغبتِه فيها مطلقًا، وإنَّما يُكْرَه الطَّلاق من غير سببٍ
يُبيحُه، فالطَّلاق لا يُباح إلاَّ للحاجة، ويكره لغير الحاجة.
قال شيخُ الإسلامِ ابن تيمية - رحمه الله -: "والله - تعالى - إنَّما
حرَّم المرأة بعد الطَّلقة الثَّالثة عقوبةً للرَّجُل؛ لئلاَّ يطلِّق
لغير حاجة؛ فإنَّ الأصل في الطَّلاق الحظر، وإنَّما أُبيح منه قدر
الحاجة، والحاجة تندفع بثلاث مرَّات؛ ولهذا أبيحتِ الهجْرة ثلاثًا،
والإحْداد لغير موْتِ الزَّوج ثلاثًا، ومقام المهاجر بمكَّة بعد قضاء
نسكِه ثلاثًا، والأصْل في الهجْرة ومقام المهاجر بِمكَّة التَّحريم".
اه.
وقال في موضع آخر: "الأصل في الطَّلاق الحظر، وإنَّما أُبيح منه قدر
الحاجة، كما ثبتَ في الصَّحيح عن جابرٍ عن النَّبيِّ - صلَّى الله
عليْه وسلَّم -: "إنَّ إبليس ينصب عرشَه
على البحْر ويبعث سراياه، فأقربُهم إليْه منزلةً أعظمُهم فتْنة،
فيأتيه الشَّيطان فيقول: ما زلت به حتَّى فعل كذا، حتَّى يأتيه
الشَّيطان فيقول: ما زلتُ به حتَّى فرَّقتُ بيْنه وبين امرأته،
فيُدْنيه منه ويقول: أنت أنت، ويلتزِمُه".
وقد قال - تعالى - في ذمِّ السحر: {فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ
بِهِ بَيْنَ المَرْءِ وَزَوْجِهِ} [البقرة: 102]، وفي السُّنن
عن النَّبيِّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - قال: "إنَّ المختلعات والمنتزعات هنَّ
المنافقات"، وفي السُّنن أيضًا عن النَّبي - صلَّى الله عليْه
وسلَّم - أنَّه قال: "أيما امرأةٍ سألت
زوجَها الطَّلاق من غير ما بأسٍ، فحرامٌ عليْها رائحة
الجنَّة"؛ ولهذا لم يبح إلاَّ ثلاث مرَّات، وحرمت عليْه المرأة
بعد الثَّالثة حتَّى تنكح زوجًا غيره".
وقال الشيخ ابنُ عثيمين في "الشَّرح الممتع": "الأصْل في الطَّلاق
الكراهة، والدَّليل قولُه تعالى في الَّذين يؤْلون من نسائهم - أي:
يَحلفون ألاَّ يُجامِعوا مدَّة أربعة أشهر -: {فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ
رَحِيمٌ * وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ
عَلِيمٌ} [البقرة: 226، 227]، وهذا فيه شيءٌ من التَّهديد، لكن
في الفيْء - أي: الرجوع - قال: {فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}،
فدلَّ هذا على أنَّ الطَّلاق غير محبوب إلى الله - عزَّ وجلَّ - وأنَّ
الأصلَ فيه الكراهة، وهو كذلك". اه.
فإذا كان هناك سبب، فالطَّلاق مباح، وليس مكروهًا؛ قال ابن قدامة -
رحِمه الله - في "المغني" في حكم الطَّلاق: "ومكروه: وهُو الطَّلاق من
غَير حاجةٍ إليه .... والثَّالث: مباح، وهو عند الحاجة إليْه؛ لسوء
خلُق المرأة، وسوء عشرتِها، والتضرُّر بها من غير حصول الغرض بها".
انتهى كلامُه.
وعليه؛ فما ذكرَه السَّائل الكريم
من أسباب كثيرة تَجعل الطَّلاق في حقِّه مباحًا، وليس مكروهًا، وحيثُ
إنَّه سيصنَع ما يُباح له، فلا شيءَ عليْه ممَّا يترتَّب عليه من
قطيعة رحِم، وإنَّما الواجب عليْه أن يصِل رحِمَه وإن قطعوها.
هذا؛ وإن كنَّا ننصح السَّائل الكريم بالتريُّث بعض الشَّيء،
والتحلِّي بالصَّبر الجميل، وأن تُصارح زوجتَك بما فيها مِن عيوب، وأن
تلك العيوب هي في الحقيقة مجموعةٌ من كبائر الذُّنوب، يَجب عليها سرعة
التَّوبة منها، واستِحْلال مَن اغتابتهم، وبهتتهم، أو الاستغفار
والدُّعاء لهم، إن ترتَّب على إخبارهم ضررٌ أكبر.
ولتُعْلِمْها بأنَّك لا تستطيع الحياةَ معها في ظلِّ تلك الأخلاق،
فيجب عليْها مجاهدةُ نفسِها بتغيير سلوكِها السيئ، ومنْه عدم إشراك
أمِّها في حياتِكما؛ لأنَّ الظَّاهر أنَّ أمَّها لا تتحلَّى بالحكمة،
ولتحاول أن يكون ذلك في جوٍّ من الشَّفافية والهدوء، والتَّذكير
والوعظ والتراحم، والتَّخْويف بالله من خطورة ما تفعلُه، وأنَّه من
سوء الخلق، وضَعف الدين، وسوء العِشْرة، والتَّفريط في حقِّ الزَّوج
الَّذي عظَّمه الله - تعالى - ورسوله، ويمكِنك الاستِعانة بامرأةٍ
عاقِلة صالحة وصاحِبة خبرة حياتيَّة؛ لنصْحِها وإرشادها، لأنَّه - مع
الأسف - معظم الفتيات لا يتعلَّمن في بيوتِهنَّ فقْه الزَّواج، وما هو
حق الزوج.
كما أنَّه عليْك أن تتغاضى عن كثيرٍ من الأمور اليسيرة غير
الجوهريَّة؛ ما لم يستفحِل أمرها، فإنْ لم تستجب فأخبِرْها بعزمِك على
فراقِها؛ فربَّما دفعها ذلك لأن تَرْعوي وترتدع، فإن صلح حالها، فبِها
ونعمت، ومسألة الأوْلاد يمكنك التغلُّب عليْها بالزَّواج بأخرى.
ولكن إن لم ينصلِح حالُها - لا قدَّر الله - وتعذَّر استِدامة العشرة
بينكما، فلا حرجَ حينئذٍ في الطَّلاق؛ لكونِه آخرَ الدَّواء، كما قيل:
آخر الدَّواء الكَيُّ، وأن تسرِّحَها بإحسان وتُعطيها كامل حقوقها؛
قال تعالى: {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ
اللَّهُ كُلّاً مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعاً
حَكِيماً} [النساء: 130].
ونسأل الله - تعالى - أن يختار لكما الخير، وأن يصلح أحوالَكما
وأحوال المسلمين،، والله أعلم.
نقلا عن موق الألوكة.