إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى ...

السؤال: ورد في الأثر عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه دخل مقابر المدينة فنادى‏:‏ السلام عليكم يا أهل القبور‏:‏ أتخبرونا بأخباركم أم نخبركم بأخبارنا‏؟‏ فسمع صوتًا يقول‏:‏ عليك السلام ورحمة الله وبركاته، أخبرنا بما كان بعدنا، فقال علي‏:‏ أما أزواجكم فقد تزوجت، وأما أموالكم فقد قسمت، وأما أولادكم فقد حشروا في زمرة اليتامى، وأما البناء الذي شيدتم فقد سكنه أعداؤكم، فهذه أخبار ما عندنا فما أخبار ما عندكم‏؟‏ فسمع صوتًا يقول‏:‏ قد تمزقت الأكفان، وانتثرت الشعور، وتقطعت الجلود، ما قدمناه وجدناه، وما كسبناه خسرناه، ونحن مرتهنون بالأعمال‏.‏ فهل هذا الأثر صحيح‏؟‏ وإذا كان كذلك فكيف يكون الجمع بينه وبين قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ‏}‏ ‏[‏سورة النمل‏:‏ آية 80‏]‏، فإن ظاهر هذه الآية أن الموتى لا يسمعون الكلام من الأحياء، أم أن للآية تفسيرًا آخر غير المتبادر إلى الذهن‏؟‏

الإجابة

الإجابة: الذي وقفت عليه من كلام علي رضي الله عنه كما ذكرته كتب الوعظ أنه لم يخاطب الموتى ولم يخاطبوه، وإنما تكلم يعظ أصحابه الذين معه، ثم قال موجهًا الكلام للموتى‏:‏ هذا خبر ما عندنا فما خبر ما عندكم‏؟‏ ثم قال لأصحابه‏:‏ أما إنهم لا يتكلمون ولو تكلموا لقالوا كذا وكذا، فأجاب على لسان الموتى‏.‏
ومن واقع أحوال الموتى وما يقولونه لو تكلموا ولو نطقوا فهذا من باب الافتراض من علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن الميت لو تكلم لقال كذا نظرًا لحالته وما لاقى، وهذا يقصد به علي رضي الله عنه موعظة الأحياء وتذكير الناس بأحوال الموتى، وليس في القصة أن أحدًا من الموتى كلمه بهذا الكلام، وإنما هو الذي قاله على لسان الأموات تذكيرًا للأحياء‏.‏
وأما قضية سماع أهل القبور لمن يخاطبهم فلا شك أن أحوال أهل القبور من أمور الغيب ومن أمور الآخرة، ولا يجوز لأحد أن يتكلم فيها إلا بموجب الأدلة الصحيحة، وقد ورد‏:‏ ‏"‏أن الميت إذا وضع في قبره وانتهى من دفنه وتولى عنه أصحابه وإنه ليسمع قرع نعالهم، يأتيه ملكان فيجلسانه ويقولان له‏:‏ من ربك‏؟‏ وما دينك‏؟‏ ومن نبيك‏؟‏‏"‏ هذا الذي ورد أن الميت يسمع قرع نعال المشيعين إذا أدبروا عنه، فما أثبته الدليل أثبتناه، وما لم يرد دليل فإننا نتوقف عنه‏.