ما حكم الأناشيد الإسلامية؟

السؤال: ما حكم الأناشيد الإسلامية؟

الإجابة

الإجابة: إن النشيد إذا كان مضمونه طيباً كالثناء على الله، والثناء على رسوله صلى الله عليه وسلم، وتحفيز الهمم للخير فهو سنَّة، بشرط أن لا يكون معه آلة طرب كالمزامير، ويجوز للرجال الإنشاد بحضرة النساء ولا يجوز للنساء الإنشاد بحضرة الرجال، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم المشاركة فيه، ففي صحيح البخاري أنه كان ينشد مع أصحابه:
تالله لولا الله ما اهتدينا *** ولا تصدقنا ولا صلينا إن أولاء قد بغوا علينا *** إن يطلبونا خطة أبينا
ويمد بها صوته، وكذلك كان ينشد في حفر الخندق:
اللهم لا عيش إلا عيش الآخره *** فاغفر للأنصار وللمهاجره
وكان الصحابة ينشدون بين يديه:
نحن الذين بايعوا محمداً *** على الجهاد ما بقينا أبداً
وكان ينشد في بناء المسجد:
هذا الحمال لا حمال خيبر *** هذا أعز ربنا وأطهر
وقد أذن لعامر بن الأكوع أن ينشد بين يديه في غزوة خيبر ودعا له بالمغفرة، وأذن لأنجشة أن ينشد بين يديه حتى حرك الإبل فقال: "رفقاً بالقوارير يا أنجشة"، والقوارير قلوب النساء فهذا كله تشريع للنشيد وبيان لسنيته وتأثيره وتحفيزه للهمم، فهو عون للإنسان على الطاعة وعلى الحماس، ولكن إنما ذلك بهذه المضامين الطيبة، وبالأخص إذا كان ذلك ثناء على الله وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم من غير غلو.

أما إذا دخله غلو في الثناء على النبي صلى الله عليه وسلم فإنه نهى عنه كما في صحيح البخاري أن الجويريات أنشدن بين يديه أثنين على الله ثم أنشدن بين يديه: "وفينا نبيٌ يعلم ما في غد" فقال: "دعي هذه، دعي هذه" لأنها أثنت عليه بعلم الغيب، وعلم الغيب عند الله سبحانه وتعالى وحده، فلذلك لابد أن يكون الثناء على النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً بالثناء الذي يثنى به عليه صلى الله عليه وسلم.

وكذلك لابد أن يكون ذلك أي النشيد لهذه النية أي لقصد تحفيز الهمم وتهيئتها والثناء على الله وعلى رسوله وعلى المؤمنين حتى ما كان من ذلك ثناء على المجاهدين في سبيل الله ورثاء لموتاهم وثناء عليهم فهو جائز، ومثل ذلك أيضاً من نصر النبي صلى الله عليه وسلم حتى لو كان مشركاً إذا كان الثناء عليه فقط بنصرته، كالثناء على المطعم بن عدي بما أثنى عليه به حسان بن ثابت فإنه قال في نشيده في رثاء المطعم بن عدي بن الخيار بن نوفل بن عبد مناف وهو ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أجاره من قريش بعد موت أبي طالب، فأثنى عليه حسان عند موته بقوله:
ولو أن مجداً خلد الدهر واحداً *** من الناس أبقى مجده الدهر مطعماً
وأنشد ذلك بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك ما كان من الإنشاد لا يتضمن هذه المعاني ولكنه يتضمن ذكر البقاع والأماكن مما لا حرج فيه شرعاً كذكر المناطق والأماكن فهذا ليس محرماً شرعاً فيجوز النشيد به.

ومثل ذلك المواعظ والعبر فإنشادها لا حرج فيه وقد أنشد النبي صلى الله عليه وسلم، واستنشد شعر أمية بن أبي الصلت، وكان شعره حكماً ومواعظ، فمن شعره مثلاً:
قد يموت الجبان في آخر الص *** ف وينجو مقارع الأبطال ربما تكره النفوس من الأم *** ر له فرجة كحل العقال
فهذا النوع هو مما يجوز إنشاده والتغني به ولا حرج فيه.

أما ما كان هجاء لمعين أو تغزلاً على معين، أو كان فيه ممنوع شرعاً فهذا لا يجوز النشيد به، ولا يجوز إنشاده أصلاً إلا في حالات محصورة، وهي ما كان من الغزل لغير معين، أو كان في أمر قد مضى وانتهى أهله فيذكر للاستشهاد مثلاً، كإنشادنا نحن الآن للشعر الجاهلي استشهاداً في تفسير القرآن أو الحديث فمثل هذا لا حرج فيه، وقد أنشد عمر بن أبي ربيعة عبد الله بن العباس رضي الله عنهما قصيدته بالحرم المكي وهي:
أمن آل نعم أنت غاد فمبكر *** غداة غد أم رائح فمهجر
وفيها الغزل لكنه قد مضى ولا يتوقف عليه شيء بذاته، ويريدها ابن عباس للاستشهاد على كلمات القرآن والسنة، وقد مر النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر بمنشد ينشد شعراً قديماً يمدح به بنو عبد مناف وقد غيَّره المنشد فقال: "والمجد خالصة لعبد الدار" وأصل الأبيات: "والمجد خالصه لعبد مناف" فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر: "أهكذا قال الشاعر؟" قال: لا، وأنشده أبو بكر أبيات الشاعر.



نقلاً عن موقع فضيلة الشيخ الددو على شبكة الإنترنت.