الجمع بين حديث كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار وحديث من سنّ في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة

(كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار). أو كما قال صلى الله عليه وسلم. ويقول أيضاً: (من سنّ في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سنّ في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة). أو كما جاء عن الرسول - صلى الله عليه وسلم -، نرجو توضيح هذين الأمرين؛ لأن فيهما إشكالاً على كثير من الناس؟ جزاكم الله خيراً.

الإجابة

نعم كل هذا صحيح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، صح عنه - عليه الصلاة والسلام - أنه قال في الحديث الصحيح في خطبة الجمعة: (خير الحديث كتاب الله ، وخير الهدي هدي محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل بدعةٍ ضلالة). خرجه مسلم في الصحيح. زاد النسائي بإسنادٍ حسن: (وكل ضلالةٍ في النار). وقال أيضاً - عليه الصلاة والسلام - في الحديث الصحيح: (إياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل محدثةٍ بدعة ، وكل بدعةٍ ضلالة). وقال أيضاً - عليه الصلاة والسلام -: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد). يعني فهو مردود. متفق على صحته. وقال - عليه الصلاة والسلام -: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد). خرجه مسلم في الصحيح. فالواجب على علماء الإسلام أن يوضحوا البدع للناس ، وأن ينكروها ، وأن يرشدوا الناس إلى تركها ، وهي الإحداث في الدين، وهي أن يشرع الإنسان شيئاً ما شرعه الله، هذا هو البدعة، إحداث شيء ما شرعه الله من صلاة ، أو صومٍ ، أو غير ذلك على وجهٍ ما شرعه الله، هذا يسمى بدعة، كأن يقول مثلاً: أنه يشرع للناس أن يصوموا يوم الجمعة تطوعاً بها، هذا بدعة، الرسول نهى عن إفرادها بالصوم، نهى أن تفرد الجمعة بالصوم إلا أن يصوم قبلها يوم أو بعدها يوم، فالذي يقول أنها تصام ، وأنه مشروع قد ابتدع وخالف الأحاديث الصحيحة ، أو يقول أنه يشرع للناس أن يصلوا صلاةً ذات ركوعين ، أو ذات لها ثلاثة سجودات في الركعة ، أو ما أشبه ذلك ؛ لأن هذا بدعة إلا ما جاء به النص في صلاة الكسوف فيها ركوعان، وفيها ثلاث ركوعات كما في الأحاديث الصحيحة، مع سجدتين في كل ركعة، ولكن إذا قال يشرع أن يركع ركوعين في الصلاة في كل ركعة غير صلاة الكسوف صار هذا بدعة، وهكذا البناء على القبور ، واتخاذ المساجد عليها من البدع، فإن هذا حدث بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ولأن أصحابه يتقربون به إلى الله، وهو مما يبعد من الله، وهي من البدع التي توقع في الشرك، وقد حذر منها النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال: (ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك). وقال - عليه الصلاة والسلام -: (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد). ونهى عن تجصيص القبور ، والقعود عليها، والبناء عليها ، فالذي يبني عليها المساجد والقباب قد ابتدع في الدين ، وخالف نص الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وأتى بأمرٍ وسيلة إلى الشرك. وهكذا وضع الستور عليها ، والأطياب من البدع، ومن وسائل الشرك، وهكذا الاحتفال بموت فلان ، أو بولادة فلان، هذه من البدع أيضاً. ومن ذلك الاحتفال بمولده - صلى الله عليه وسلم - لا أصل له، لم يفعله الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولا أصحابه - رضي الله عنهم -، ولا العلماء الأخيار في القرون المفضلة، إنما حدث بعد القرون الثلاثة، حدث في المائة الرابعة وما بعدها، والمسلم ليس له أن يتقرب إلا بشيءٍ شرعه الله، كما تقدم في الأحاديث. أما حديث : (من سن في الإسلام سنةً حسنة فله أجرها) الحديث .. فهذا معناه إحياء السنن ، وإظهارها ، والدعوة إليها، هذا معنى : (سن في الإسلام). أظهر السنة ، ودعا إليها ، وعظمها ، حتى عرفها الناس ، وحتى عملوا بها، فيكون له مثل أجورهم، ليس معناها ابتدع بدعة، لا ، البدعة منكرة، حذر منها الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ويدل على هذا سبب الحديث، فإن سبب الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى ناساً عليهم آثار الفقر والحاجة ، فخطب الناس ، وذكرهم ، وحثهم على الصدقة ، فجاء رجل بصرةٍ من فضة في يده كاد كفه تعجز عنها، بل قد عجزت، ثم تتابع الناس بالصدقات، فقال عند ذلك: (من سن في الإسلام سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها من بعده لا ينقص من أجورهم شيئا، ومن سنَ في الإسلام سنةً سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها لا ينقص من أوزارهم شيئا). فالمعنى إظهار السنن والدعوة إليها، يكون لفاعل ذلك أجر ما فعل ، ومثل أجور من اقتدى به في الخير. وهكذا من دعا إلى الباطل والمعاصي ، وابتدع في الدين يكون عليه إثم ذلك ، ومثل آثام من تابعه في البدعة، وليس معنى : (سن في الإسلام) يعني ابتدع، ، لا، هذه مناقضة للأحاديث الصحيحة. ولا يجوز لأحد أن يقول هذا الكلام؛ لأن هذا معناه رد السنة ، وإنكارها، الرسول - صلى الله عليه وسلم - أنكر البدع ، وحذر منها، و......... في ذلك، الله في القرآن نبه على هذا، ربنا - سبحانه - نبه في القرآن على هذا فقال سبحانه: أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ [(21) سورة الشورى]. هذا معناه إنكار أن يشرع في الدين ما لم يأذن به الله، فالذي يأتي بشيء من كيسه لم يشرعه الله ورسوله يكون باطلا، يكون بدعة، مثل ما تقدم في إحداث البناء على القبور ، والمساجد على القبور ، وإحداث الموالد ، والاحتفال بالموالد، والصلاة عند القبور، كل هذا من البدع. فيجب على كل مسلم وعلى كل مسلمة الحذر منها ، والتحذير منها، تحذير إخوانهم منها حتى يسيروا على السنة، وحتى يتمسكوا بالسنة، وحتى يحذروا ما ابتدعه الناس.