التأويل المُخرج من الملة

السؤال: متى يمكن أن يصبح تأويل شخصٍ لآية أو حديث مخرجاً له من الملة؟ كأن يقرأ شخصٌ الآيات في عيسى عليه السلام ويشعر بأنه مات قبل الصعود إلى السماء، أو يشعر بعدم التأكد من التأويل الصحيح، فهل يكون ذلك مُخرجاً له من الملة؟ وإذا قرأ الآية في ختم النبوة وفهمها (كما يفهمها القادياني)؛ بأن الآية لا تعني انقطاع قدوم أنبياء آخرين، فلماذا يخرجه هذا التأويل من الملة، وهو لا يرفض الآية لكنه يفهمها بصورة مختلفة؟

الإجابة

الإجابة: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

فالتأويل ينقسم إلى قسمين: سائغ وغير سائغ.

فالتأويل السائغ هو: حمل الدليل على معنى يحتمله، ولكنه غير متبادر منه، اعتماداً على دليل يقتضي ذلك، مع كون الحامل من أهل الاجتهاد.

والتأويل غير السائغ هو: حمل الدليل على معنى لا يحتمله أصلاً، أو يحتمله مرجوحاً من غير دليل يقتضيه، أو كان ممن ليس أهلاً للاجتهاد.

فالقسم الأول الذي هو السائغ لا يمكن أن يكفر صاحبه، بل هو إما مصيبٌ له أجران، وإما مخطئ له أجرٌ واحدٌ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر" (أخرجه البخاري: 7352، ومسلم: 1716).

وقد قال ابن تيمية رحمه الله في المسائل الماردينية: "كل من اجتهد في طلب الحق فهو معذور أصاب أو أخطأ، سواء كان ذلك في الأصول أو في الفروع".

والقسم الثاني وهو: التأويل غير السائغ إذا كان يحمل الدليل على ما لا يحتمله أصلاً، فإن كان في العقائد وما في معناها فهو كفر، وإن كان من باب العبث فكذلك، كالذين يفسرون قوله تعالى: {إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة} [البقرة: 67] بأنها عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، وإن كان في غير ذلك فهو كبيرة يعزر صاحبها؛ لقول الله تعالى: {قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطاناً وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون} [الأعراف:33]، فهو من القول على الله بغير علم.

وإن كان بحمل الدليل على ما يحتمله مرجوحاً من غير دليل، أو كان الحامل غير أهل للاجتهاد فهو كبيرة كذلك يعزر صاحبها لما سبق.

فالمثال المذكور في السؤال في رفع عيسى عليه السلام لو لم ترد النصوص بحياته في السماء ونزوله في آخر الزمان متواترة، حتى أصبح ذلك من عقيدة المسلمين لكان كبيرة يعزر صاحبها؛ لعدم اعتماده على دليل، أما وقد تواترت النصوص وأصبح الأمر عقيدة، فإن مخالفه يكفر بإنكاره كفراً مخرجاً من الملة.

والمثال الثاني في السؤال في إنكار ختم النبوة بمحمد صلى الله عليه وسلم ليس من باب التأويل أصلاً، بل هو إنكار للنصوص الصريحة التي لا تحتمل إلا معنى واحداً، فهو كفر كذلك مخرج من الملة، والله أعلم.



نقلاً عن موقع فضيلة الشيخ الددو على شبكة الإنترنت.