عقد النكاح باسم مستعار لمعتقدات خاطئة

السؤال: قام أحد الأقرباء بعقد نكاح ابنتِه باسمٍ مستعار، وليس اسمها الحقيقي المُسَمَّاة به منذ ولادتها؛ لاعتقادات لديهم مثل خوفهم من الأرواح الشريرة، وأداء يمين العقد بهذا الحال. علمًا بان الاسم المستعار هو اسم مُسَمّاة به ابنته الأخرى، والمخطوبة من رجل آخر، فما حكم الشرع في ذلك، حيث إن الأمر انكشف في أثناء عودة البنت التي تزوجت بالاسم المستعار من بيت الزوجية؛ نتيجة خلاف أسري، فكيف إذا لجأ الزَّوْج إلى جهة مُخْتَصَّة، وأَكَّد أن زوجته ليست هي التي دخلت بيته؛ لكون التي عقد بها هِيَ أختها، يعني التي استعار اسمها، وهي لا تعلم بشيء من تلك الأمور كلها، إلا أن اسمها استعاره والدها في عقد النكاح لأختها، فكيف المَخْرَج؟! أفيدونا، جزاكم الله خير الجزاء، مع العلم أن الأبَ قد زوَّج بنتًا من بناته قبل سنوات، باسم مستعار غير اسمها الحقيقي.

الإجابة

الإجابة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد: فقد سبق أنْ ذَكَرْنا أركانَ عقْدِ الزواج في استشارة سابقة بعنوان : "عقد الزواج الذي لم يوثق".

وعليه فإذا تَمَّ عقدُ الزواج وكان مستوفيًا لأركانه المشار إليها وشرائطِه، فهو عقد صحيح، وتترتب عليه آثاره الشرعية.

أما تعْيِين كل من الزوجين في العقد فهو شرط؛ لأنَّ المقصودَ في النكاح التعيين؛ فلا يصحُّ بِدُونه، كما تُزَوَّجُ المرأةُ باسمِها الذي عُرِفَتْ به، كما يحصل التعين بالإشارة إلى المتزَوِّجة أو وصفها بما تتميز به.

ولكن إذا كانتِ الزوجةُ المقصودة مُعيَّنة ومعلومة للزوج والشهود، وسماها أبوها بغير اسمها قصدًا أو سهوًا، فالعقْدُ صحيح؛ لأن التعين قد حصل، والعبرة -عند التعارض- بالمَقصِد والمعنى، لا بالاسم، وهذه المسألة تندرج تحت القاعِدَةِ الفِقْهِيَّةِ المعروفة: هل العبرة بصيغ العقود أو بمعانيها؟ أي: هل النَّظَر إلى ما وضع له اللفظُ بطريق الحقيقة أو إلى ما يَدُلُّ عليه (بطريق) التضَمُّن؟

والراجح - والعلم عند الله - أن المقاصِد والنيَّات مُعتَبَرة في التصرُّفَات والعبارات، كما هي مُعْتَبَرَة في العِبَادات والقُرُبات، فالنية تجعل الشيء حلالاً وحرامًا، وطاعة ومعصية؛ فالمقاصد تُغَيِّرُ أحكام التَّصَرُّفَات من العقود وغيرها، وإن كان ما ذكرناه ليس على إطلاقه دائمًا.

قال صاحب "مُغْنِي المحتاج": "ويشتَرط تعيين كل من الزوجين، فقول: "زوجتك إحدى بناتي" أو "زوَّجْتُ بنتي - مثلاً – أحدَكما" باطلٌ، ولو مع الإشارة، كالبيع ولا يُشْتَرَط الرؤية.

وإن قال: "زوجتك بنتِي" أو "بِعْتُكَ داري" وكان رأى داره قبل ذلك، وليس له غيرها، أو أشار إليها، صحَّ كُلٌّ منَ التزويج والبيع، ولو سَمَّى البنت المذكورة بغير اسمها، أو غلِطَا في حدود الدار المذكورة، أو قال: "زَوَّجتُكَ هذا الغلام"، وأشار إلى البنت التي يُرِيدُ تزويجها، صحَّ كل من التزويج والبيع، أما فيما لا إشارة فيه، فلأن كُلًّا من البنتية والدارية صِفة لازمة، مُمَيِّزة فاعتُبِرَتْ، ولغا الاسم، كما لو أشار إليها وسماها بغير اسمها، وأما فيما فيه إشارة فتعويلاً عليها".

أما على فرض حدوث نزاع بين الزوجين، أو لو ادّعَى الزوج زواجه من أخت امرأته، فالواجب في تلك الحال على شهود عقد النكاح أن يبينوا الأمر للقاضي، وكذلك يجب على الأب والزوجة، حتى ولو ترتب عليه ضرر بالغ بالأب.

واعلم؛ أنه يجب عليك أن تنصح ذلك الأب بالاستغفار والتوبة من الكَذِب، ومن الخوف مما يسميه بالأرواح الشريرة؛ فإنه يُخْشَى أن يكون خوفُه بمعنى الخُضُوعِ والتَّذَلُّل، واعتقاد النفع والضر في الجان، فهذا النوع من الخوف لا يجوز، وهو من الشرك الأكبر .

فإنَّ من الإيمان أن يعلم المؤمن أن ما أصابه لم يكن لِيُخْطِئَهُ، وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه، وأن لا يخاف إلا الله؛ قال تعالى: {قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [التوبة:51]، وقوله: {فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران:175]، وقد ذكر أهل العلم أن الخوف إذا كان من شيء طبيعي محسوس لا إثم فيه، مثل الخوف من وحش مفترس أو طعام ضار، وأما الخوف الوهمي من غير المحسوسات فإنه لا يليق بالمسلم الموقِن بالله تعالى.

يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "والخوف أقسام، فمنه خوف التذلل والتعظيم والخضوع؛ وهو ما يسمى بخوف السر، وهذا لا يصلح إلا لله تعالى، فمن أشرك فيه مع الله غيرَهُ فهو مشرك شركًا أكبر، وذلك مثل أن يخاف من الأصنام والأموات، أو من يزعمونهم أولياءَ ويعتقدون نفعهم وضرهم، كما يفعل بعض عباد القبور،، والله أعلم.