هل التوبة تستلزم إقامة الحد على من تاب ولم يقم عليه

إذا ارتكب المسلم إثماً يستحق الحد والقصاص أو التعزير ولم يقام عليه هذا العقاب، ولم يعلم عنه أحد ، وتاب توبة نصوحاً ، فهل يعاقب يوم الحساب على هذا العمل أم لا؟

الإجابة

من توبته للقصاص أن يمكن نفسه، حتى يرضى صاحبه أو يقتص، أما بقية المعاصي إذا تاب إلى الله فالله يعفو عنه - سبحانه وتعالى -، لكن إذا كان الحق للمخلوق كالسرقة والقتل ونحوه ، فهذا لابد من إعطاء المخلوق حقه، فإن لم يعطه حقه فالتوبة تسقط عنه حق الله ، وتسقط عنه خطر دخول النار، ولكن يبقى عليه حق القتيل، حق المسروق منه، لابد أن يؤدى عنه، فإن تاب توبةً صحيحة فيرجى له أن الله يؤدي عنه - سبحانه وتعالى -، إذا لم يستطع أداء الحق ، فالله - جل وعلا - يؤدي عنه - سبحانه وتعالى - تلك الحقوق إذا كانت التوبة صحيحة ، وسليمة ، ومستوفي شروطها، مستوفية شروطها، ومن شروطها أن لا يستطيع أن لا يتمكن من أداء الحق للمخلوق، فإن شروطها ثلاثة: الندم على الماضي، والإقلاع من الذنب، والعزم الصادق أن لا يعود فيه، هذه الذنوب متعلقة بالله - جل وعلا -. وهناك شرط رابع يتعلق بالمخلوق كالدم، السرقة، وظلم الأموال والأعراض، فهذا الحق يجب أن يؤدى لصاحبه ، فإذا عجز عنه بأن مات صاحبه، وليس له ورثة يعطيهم حقهم، فإن حق الميت يبقى ، وإذا كانت التوبة صادقة ، فالله يقضيه عنه - سبحانه وتعالى - جل وعلا - ؛ لأنه صادق في محبته للتوبة ، وإعطائه حقه ، لكنه لم يتمكن من هذا الشيء لأنه مات وليس ورائه أحد يقضيه الحق ، فحينئذ يبقى الأمر بينه وبين الله - عز وجل -، والله - سبحانه وتعالى - يتقبل من عبده التوبة الصادقة في جميع الأشياء؛ كما قال الله – تعالى -: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا [(53) سورة الزمر]. لكن إذا كان صاحب الحق موجوداً فلابد من إعطاءه حق أو استباحته ، وإلا فإنه يأخذ من حسناته بقدر مظلمته، كما قال عليه الصلاة والسلام: (من كان عنده لأخيه مظلمة فليتحلله اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم ، إن كان له عمل صالح أخذ من حسناته بقدر مظلمته فإن لم يكن له حسنات - يعني الظالم - أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه). هذا يدل على أن خلق المخلوق لابد من أدائه حيث أمكن، أما إذا لم يمكن فالله يعفو عنه - سبحانه وتعالى -، والتوبة مقبولة ، ونافعة ومفيدة ، ويبقى حق المخلوق الذي لم يستطع أدائه يرضيه الله ، يرضيه الله، يرضي الله صاحبه عنه بأنواع الثواب والخير فإنه سبحانه جواد كريم، والعبد معذور ؛ لأنه لم يتمكن من أداء الحق.