السفر للترخص في الزنا

السؤال: لي صديق في شهر رمضان الفائت له صديقة كان يخرج معها في شهر رمضان المبارك، كان يسافر إلى مدينة تبعد 134 ك م ويزني هناك، من باب أنه مسافر ومرخص له الإفطار، للعلم أنه فعل ذلك 3 أيَّام ولكن عِندما شكَّ في موضوع الفطر أوقف ذلك.

الإجابة

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:

فإنَّ الزِّنا –عياذًا بالله- كبيرةٌ من أقبح الذُّنوب وأعظم الآثام التي حذَّر اللهُ تعالى من مُجرَّد الاقتِراب مِنْها فضلاً عن مُقارفتها؛ فقال سبحانه: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً} [الإسراء: 32] وقد سبق أن بيَّنَّا أنَّ الواجب على مَن تلبَّس بِشيْءٍ من تلك القاذورات التوبةُ النصوح والاستغفار والندم والعزم على عدم العود، مع الإكثار من الأعمال الصالحة في فتوى بعنوان: "شروط التوبة من الزنا في نهار رمضان". 

أمَّا كونُ صاحبِك كان ينشئُ سفرًا ليتمكَّن من الوقوع في الفاحشة، فحيلة باطلة لا تُغْني عنْهُ شيئًا من الوقوع في كبائرَ ثلاثٍ من أكبَرِ الكبائر:
- كبيرة هَتْكِ حُرمة الشَّهر الكريم بتعمُّد الإفطار.
- وكبيرة الزِّنا أعاذنا الله وجميع المسلمين منها.
- وكبيرة المكر والخديعة والحيلة الساذجة الباطلة، التي لا تقلُّ جرمًا عن سابقتيها بل تفوقهما، من إنشاءِ سفرِ معصيةٍ ظنًا أنه يبيح له الفطرَ؛ ومن ثم يتمكن من مقارفة الزنا، فهذه الحيل وإن راجت على الغرير من بني آدم، ولكن كيف تنطلي على من يعلم السر وأخفى؟!

وقد غَفَلَ الرجل –هداه الله للتوبة وحسن الأوبة– أن إباحة الرُّخص منوط بألّا يكون باغيًا ولا عاديًا؛ كما في قولِه تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: 173].

ومِن ثَم فقد اتفق أهل العلم على المنع من الإفطار في سفر المعصية؛ حتى لا يكون فيها إعانة للعاصي.

قال الإمام النَّوويُّ في "المجموع": "لا يَجوز الفِطْرُ في رمضانَ في سفرِ معصيةٍ بِلا خلاف، ولا في سَفَرٍ آخَر دونَ مسافةِ القصر".

وأيضا: قد قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: "إنَّما الأعمال بالنِّيَّات وإنَّما لكلِّ امرئٍ ما نوى"؛ كما في الصحيحين وغيرِهِما، فالأعمالُ تابعةٌ لِمقاصدِها ونِيَّاتِها، فليس للعبد من ظاهِرِ قولِه وعملِه إلا ما نواهُ وأبطَنَهُ وقَصَدَهُ لا ما أَعْلَنَهُ وأظهَرَهُ، وهذا نَصٌّ في أنَّ مَن قصد الزِّنا من سفره كان زانيًا، ومَن نوى الرِّبا بعقد التبايُع كان مرابيًا، ومَن نوى المَكْرَ والخِداعَ كان ماكرًا مُخادِعًا،، وهكذا.

قال ابنُ القيِّم في "إعلام الموقِّعين": "...فهذه الحيل وأمثالها لا يستريبُ مسلمٌ في أنَّها من كبائِرِ الإثم وأَقْبَح المُحرَّمات، وهي من التلاعُب بدين الله واتِّخاذِ آياتِه هُزُوًا، وهي حرامٌ من جِهَتِها في نَفْسِها لكونِها كذبًا وزُورًا، وحرامٌ من جهة المقصودِ بِها وهو إبطالُ حقٍّ وإثباتُ باطل، فهذه ثلاثة أقسام:

أحدُها: أن تكونَ الحيلةُ مُحرَّمة ويُقصَدُ بِها المُحرَّم.

الثاني: أن تكونَ مُباحةً في نفسِها ويقصد بها المحرم، فيصير حرامًا تَحريم الوسائل؛ كالسفر لقطع الطريق وقتْلِ النَّفس المعصومة.

وهذانِ قسمانِ تكونُ الحيلةُ فيهما موضوعةً للمقصود الباطل المحرَّم، ومفضية إليْه كما هي موضوعة للمقصودِ الصَّحيح الجائز ومفضية إليه؛ فإنَّ السَّفر طريقٌ صالحٌ لهذا وهذا.

الثالثُ: أن تكون الطريق لم تُوضَع للإفْضاء إلى المُحرَّم وإنَّما وُضِعَتْ مُفضيةً إلى المشروع؛ كالإقرار والبَيْعِ والنِّكاح والهِبة ونَحو ذلك، فيتَّخذُها المتحيِّل سُلَّمًا وطريقًا إلى الحرام". اه.

قال الإمام أحمدُ في رِوايةِ إسْماعيلَ بْنِ سعيدٍ: "لا يجوز شيءٌ من الحيل"، وفي رواية صالحٍ ابنه: "الحيل لا نراها" وقال في رواية الأثرم - وذكر حديث عبدالله بن عمر في حديث: "البيِّعان بالخيار، ولا يحل لواحد منهما أن يُفارِقَ صاحبَه خشيةَ أن يستقيلَه" - قال: "فيه إبطال الحيل".

وقال في رواية أبي الحارث: "هذه الحِيل التي وَضَعَهَا هؤُلاءِ، احتالوا في الشَّيْءِ الَّذي قيل لهم إنه حرام فاحتالوا فيه حتَّى أحلُّوه، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "لَعَنَ اللَّهُ اليهودَ حُرِّمَتْ عليهِم الشحوم فأذابوها وأَكَلُوا أثْمانَها" فإنَّما أذابوها حتَّى أزالوا عنْها اسم الشُّحوم، وقد لعن النَّبيُّ المُحلِّل والمحلَّل لهُ". اه من "إغاثة اللهفان" لابن قيم الجوزية.

هذا؛ والذي يظهر من السؤال أن الرجل غير مكترث بعظيم ما اقترفت يداه، وهذا بمفرده قد يكون أقبح جرمًا من الفاحشة نفسها، ويخشى أن يكون هذا من مكر الله به، أو من الرَان الذي يعلوا القلب من جراء الكبائر، فإن من توفيق الله للعبد أن يهديه لاستقباح واستعظام الذنب وشدة الندم وتقطع القلب، والخوف من عدم قبول التوبة؛ فهذا أرجى للمغفرة وقبول التوبة وأمارة على الإيمان وحياة القلب والعكس بالعكس؛ كما قال الله تعالى: {لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 110] بأن يندموا غاية الندم ويتوبوا إلى ربهم، ويخافوه غاية الخوف، فبذلك يعفو اللّه عنهم، كما قال العلامة السعدي في تفسيره، وروى البخاري عن عبدالله بن مسعود قال: "إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مرَّ على أنفه؛ فقال بيده فوق أنفه"، نسأل الله العافية.

وعليه؛ فالواجبُ على ذلك الرَّجُل التَّوبةُ النَّصوحُ، والإكثارُ منَ الاستِغفار، وطلب العفو من الرب الغفار، من ارتكابه تلك الجرائم الشنعاء.

كما يجبُ عليْهِ صيامُ الأيَّام الثلاثة التي أفطرها، كما تلزَمُه عن إفطار كل يوم كفَّارة، وهي: صيام شهرَيْنِ مُتتابِعَيْنِ، فإن لم يستَطِعْ فيُطْعِمُ ستين مسكينًا، كما هو ثابت في "الصحيحين".

ولمزيد فائدةٍ يُرجى الاطلاع على تلك الفتوى: "حكم الإفطار في نهار رمضان من غير عذر"،، والله أعلم.