النهي عن لعن الدابة ونحوها ولعن المعين

السؤال: كنا ماشين مع زملاء لنا، فانقطعت نعل أحدهم؛ فلعنها، ولعن من خرزها، فنهاه بعض الزملاء عن اللعن، وذكر بعض ما ورد في النهي عن اللعن مثل: حديث المرأة التي لعنت ناقتها بحضور النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: "لا تصحبنا ناقة ملعونة"، ولكنه هداه الله لم يَرْعَوِ؛ لأن الذي أورد الحديث ما حفظه، ولا أحسن إيراده. فنرجوكم الإفادة عن حكم اللعن في الإسلام، وما ورد فيه من الأحاديث؟

الإجابة

الإجابة: لعن المعيَّن من آدمي أو حيوان أو غيرهما حرام بالإجماع. والمؤمن ليس باللعان ولا بالطعان ولا الفاحش ولا البذيء. قال النووي في (رياض الصالحين): (باب تحريم لعن إنسان بعينه أو دابة) والمراد بذلك؛ لأن اللعن هو: الطرد والإبعاد من رحمة الله، فلا يحل لك أن تلعنه لذلك، بخلاف لعن أرباب المعاصي عموما دون تعيين شخص منهم بعينه، فهذا لا يدخل في الباب، كأن تقول: لعن الله الظالمين، لعنة الله على الكاذبين ونحو ذلك، ثم ساق النووي بعض الأحاديث الواردة في النهي عن لعن إنسان بعينه أو دابة؛ ومنها: حديث أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن العبد إذا لعن شيئا، صعدت اللعنة إلى السماء، فتغلق أبواب السماء دونها، ثم تهبط إلى الأرض، فتغلق أبوابها دونها، ثم تأخذ يمينا وشمالا، فإن لم تجد مساغا، رجعت إلى الذي لُعن، فإن كان أهلا، وإلا رجعت إلى قائلها" (1) (رواه أبو داود)، وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن اللعنة إذا وجهت إلى من وُجِّهت إليه، فإن أصابت عليه سبيلا، أو وجدت فيه مسلكا، وإلا قالت: يا رب وجهت إلى فلان، فلم أجد فيه مسلكا، ولم أجد عليه سبيلا، فيقال لها: ارجعي من حيث جئت" (2) (رواه أحمد). وفيه قصة وفي إسناده كلام. وعن عمران بن حصين رضي الله عنه، قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره، وامرأة من الأنصار على ناقة فضجرت فلعنتها، فسمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "خذوا ما عليها، ودعوها، فإنها ملعونة"، قال عمران: فكأني أراها الآن تمشي في الناس ما يعرض لها أحد (3) (رواه مسلم وغيره). وعن أنس رضي الله عنه قال: سار رجل مع النبي صلى الله عليه وسلم، فلعن بعيره، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "يا عبد الله لا تَسِر معنا على بعير ملعون" (4) (رواه أبو يعلى، وابن أبي الدنيا بإسناد جيد). وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر يسير، فلعن رجل ناقة، فقال: "أين صاحب الناقة؟" فقال الرجل: أنا. فقال: "أخرها، فقد أجيب فيها" (5) (رواه أحمد بإسناد جيد).

وعن ابن عباس رضي الله عنه أن رجلا لعن الريح عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "لا تلعن الريح، فإنها مأمورة، من لعن شيئا ليس له بأهل رجعت اللعنة عليه" (6) (رواه أبو داود، والترمذي، وابن حبان في (صحيحه)، وقال الترمذي: حديث غريب، لا نعلم أحداً أسنده غير بشر بن عمر). قال الحافظ: وبشر هذا ثقة احتج به البخاري ومسلم وغيرهما، ولا أعلم فيه جرحا. انتهى من (الترغيب والترهيب) للحافظ المنذري (7).

وقال النووي في (رياض الصالحين): وعن أبي برزة نضلة بن عبيد الأسلمي رضي الله عنه قال: بينما جارية على ناقة عليها بعض متاع القوم، إذ بصرت بالنبي صلى الله عليه وسلم تضايق بهم الجبل. فقالت: حَلْ اللهم العنْها. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تصاحبنا ناقة عليها لعنة" (8) (رواه مسلم)، وقوله: (حَلْ) بفتح الحاء المهملة، وإسكان اللام: وهي كلمة لزجر الإبل. واعلم أن هذا الحديث قد يستشكل معناه، ولا إشكال فيه، بل المراد: النهي أن تصاحبهم تلك الناقة، وليس فيه نهي عن بيعها وذبحها وركوبها في غير صحبة الرسول صلى الله عليه وسلم، بل كل ذلك وما سواه من التصرفات جائز لا منع منه، إلا من مصاحبة النبي صلى الله عليه وسلم بها؛ لأن هذه التصرفات كلها كانت جائزة، فَمُنِعَ بعضٌ منها، فبقي الباقي على ما كان. والله أعلم. انتهى.

___________________________________________

1 - أبو داود (4905)، وفي إسناده: نمران بن عتبة الذماري. قال الذهبي في (الميزان): لا يُدرى من هو.
2 - أحمد (1/ 408)، وفي إسناده رجل جهله الحسينى وابن حجر.
3 - مسلم (2595)، وأبو داود (2561)، والدارمي (2/ 288)، وأحمد (4/ 429، 431).
4 - أبو يعلى (3622).
5 - أحمد (2/ 428).
6 - أبو داود (4908)، والترمذي (1978)، وابن حبان (5745).
7 - (الترغيب والترهيب) (3/ 472،474).
8 - مسلم (2596).