من قتل عمداً ثم مات ولم يقتص منه

السؤال: رجلٌ قَتَلَ رجلا مسلمًا عمْدًا -والعياذ بالله- ثم مات ولم يُقتصَّ منه، ويسأل أبناؤه هل عليهم كفَّارة عن أبيهم؟ وماذا يفعلون؟

الإجابة

الإجابة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومن والاه، أمَّا بعدُ:

فإن الكفَّارةَ لا تجب في قتل العمد، كما هو الراجح من قول جُمهور أهْلِ العلم من الحنفيَّة والمالكيَّة، ومشهور مذهب الحنابلة، وبه قال الثّوري وأبو ثورٍ وابن المنذر.

حيث استدلوا بقوله تعالى: {وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَئاً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ} [النساء: 92]، وقوله تعالى: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ} [النساء: 93]. قالوا: فاللّه عزّ وجلّ أوجب في الآية الأولى كفَّارة القتل الخطأ، ثمّ ذكر في الآية الثَّانية القتْلَ العَمْدَ ولم يوجب فيه كفّارةً, وَجعل جزاءه جهنّم، فلو كانت الكفّارة فيه واجبةً لبيّنها وذكرها؛ فكان عدم ذِكرها دليلاً على أنّه لا كفّارة فيه.

وقالوا: إنّ القتل العمد فِعْلٌ يوجب القتل فلا يوجب كفّارةً، كزِنا المحصَن، وأنه كبيرة محضة مثلُ الزِّنا والسّرقة والرّبا، وأبطلوا قياسه على قتل الخطأ في وُجوب الكفارة؛ لأنّ الخطأ دُونَه في الإثم، فشرع الكفارة لدفع الأدنى لا يدل على دفع الأعلى، ولأنّ في القتل العمد وعيدًا مُحكمًا، فلا يرتفع الإثم فيه بالكفَّارة مع وجود التّشديد بنصٍّ قاطعٍ لا شُبْهَةَ فيه، ولأنّ الكفّارة لا يجوز إثباتها بالقياس.

قال أبو محمد بن حزم: "فإذْ لاحُجَّة في ايجاب الكفَّارة على قاتل العمد لا من قرآنٍ، ولا من سنة؛ فإن الله تعالى يقول: {مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ} [الأنعام: 38]، وقال تعالى: {اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً} [المائدة: 3]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ دِماءَكُم وأموالَكُم عليْكم حرامٌ".

فصح أنَّ الدّينَ كلّه قد كمل، وبيَّنه الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم وبيقين ندري أنه لو كان في قتل العمد كفارةٌ محدودة لبَيَّنها الله تعالى كما بيَّن لنا الكفارة في قتل الخطأ، وكما بيَّن لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وجود القود أو الدية أو المفاداة في ذلك، فإذ لم يخبرنا الله تعالى بشيء من ذلك ولا أوجبه هو ولا رسوله صلى الله عليه وسلم فنحن نشهد بشهادة الله تعالى أنه ما أراد قَطّ كفارة محدودة في ذلك، ولكنَّ الله تعالى يقول: {وَنَضَعُ المَوَازِينَ القِسْطَ لِيَوْمِ القِيَامَةِ} إلى قوله تعالى: {وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} [الأنبياء: 47]، وقال تعالى: {إِنَّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: 114].

فمَنِ ابتُلِيَ بقتل مسلم عمدًا فقدِ ابْتُلِيَ بأكْبَرِ الْكَبَائِر بعد الشركِ وترْكِ الصلاة؛ ففرض عليه أن يسعى في خلاص نفسه منَ النَّار، فَلْيُكْثِر من فعل الخير: العِتق والصدقة والجهاد والحج والصوم والصلاة وذكر الله تعالى؛ فلعله يأتي من ذلك بمقدار يوازي إساءته في القتل فيسقط عنه، ونسأل الله العافية". اه.

وقد أوجب الكفّارةَ في القتل العمد الشّافعيّة، وهو رواية عن أحمد، وإليه ذهب الزهري.

والراجح ما قدَّمنا ولكنْ لا بأس أن يتصدق الوَلَدُ عن والده إنْ أحبَّ، ويسأل له المغفرة، وهذا ما أَفْتَتْ به اللجنة الدائمة في حق من قتلتِ امرأة مسلمةً؛ حيث قالت: "القتل العمد ليس فيه كفارة ، ويشرع لبنتها الدعاء لها والصدقة عنها رجاء أن ينفعها الله بذلك"،، والله أعلم.