رسالة في المسح على الخفين

السؤال: رسالة في المسح على الخفين

الإجابة

الإجابة: رسالة قال فضيلة الشيخ جزاه الله عن الإسلام والمسلمين خيراً: بسم الله الرحمن الرحيم هذه بحوث في المسح على الخفين:

البحث الأول: في المسح على المخرَّق، وما تُرى منه البشرة لصفائه أو رقَّته وفي هذا خلاف بين العلماء:

فالمشهور من مذهب الإمام أحمد أن المسح عليه لا يصح، قال في المنتهى في معرض ذكر شروط المسح: وأن لا يصف البشرة لصفائه أو خفته. وذكر قبله أنه يُشترط ستر محل الفرض.

وفي المجموع فقه الشافعية للنووي 1/480 ذكر قولين في الخُف المخرَّق، أصحهما لا يمسح، وفي ص 481 منه أن ابن المنذر حكى عن الثوري وإسحاق ويزيد بن هارون، وأبى ثور، جواز المسح على جميع الخفاف. قال ابن المنذر: وبه أقول لظاهر إباحة رسول الله صلى الله عليه وسلم، المسح على الخفين قولاً عامّاً يدخل فيه جميع الخفاف.أ.ه.

وفي الاختبار لشيخ الإسلام ابن تيميه ص 13 أن الخف الممزَّق يجوز المسح عليه ما دام اسم الخف باقياً، والمشي فيه ممكناً، وهو قديم قولي الشافعي واختيار أبي البركات وغيره من العلماء.

وفي المحلىَّ 2/100 جواز المسح على المخرَّق ولو ظهر أكثر القدمين ما دام يتعلق بالرِّجلين منهما شيء ونقل عن سفيان الثوري أنه قال: امسح مادام يُسمى خفّاً.

وفي المجموع 2/482 إذا تخرَّقت الظهارة فإن كانت البطانة صفيقة، جاز المسح وإلا فلا، لأنه كالمكشوف، قال: وحكى الروياني والرافعي وجهاً غريباً ضعيفاً أنه يجوز وإن كانت البطانة رقيقة. وفي ص 484 حكى ابن المنذر إباحة المسح على الجورب عن تسعة من الصحابة رضي الله عنهم إلى أن قال: وحكى أصحابنا عن عمر وعلي رضي الله عنهما جواز المسح على الجورب وإن كان رقيقاً، وحكوْه عن أبي يوسف ومحمد وإسحاق وداود أ.ه. وفي ص 486 إذا لبس خفَّ زجاج يمكن متابعة المشي عليه جاز المسح عليه، وإن كان ترى تحته البشرة.

وفي ص 24 ج 1 من جواهر الإكليل شرح مختصر خليل، أن الجورب ملبوس رجل على هيئة الخف منسوج من قطن أو كتَّان أو صوف يسمى في عُرف أهل مصر شراباً.

البحث الثاني: إذا لبس خفّاً على خف فلا يخلو من حالين:

الأولى: أن يكون بعد الحدث فالحكم للأسفل ولا يمسح الأعلى.

الثانية: أن يكون قبل الحدث فهو بالخيار، فإن مسح الأسفل تعلق الحكم به ولا يضره نزع الأعلى، وإن مسح الأعلى تعلق الحكم به فإن نزعه لزم نزع الأسفل، ومتى مسح أحدهما لم ينتقل إلى الثاني. ولا يصحّ المسح عليهما إنا كانا مُخرَّقين، ولا على الأسفل إن كان هو المخرَّق. وفي الفروع 1/160: ولا يمسح خفين لُبسا على ممسوحين.. ويتوجه الجواز (و) لمالك وفي 172: وإن نزع خفّاً فوْقانيّاً مسحه فإنه يلزم نزع التحتاني.. فيتوضأ أو يغسل قدميه على الخلاف، وعنه لا يلزمه ( و ه م ) فيتوضأ أو يمسح التحتاني مفرداً على الخلاف أ.ه.

قلت: وعلى القول بأن النزع لا ينقض الطهارة لاشيء عليه.

وفي المجموع للنووي 1/490، إذا جوَّزنا المسح على الجرموق (ملبوس رِجل يُلبس فوق الخف لا سيما في البلاد الباردة ) فقد ذكر أبو العباس بن سريج فيه ثلاثة معانٍ أصحّها: أن بدل عن الخف، والخف بدل عن الرجل، الثاني: أن الأسفل كُلفافة والأعلى هو الخف، والثالث: أنهما كخف واحد، فالأعلى طهارة والأسفل بطانة.

وفرَّع الأصحاب على هذه المعاني مسائل كثيرة، وذَكر منها لو نزعه بعد مسحه وبقي الأسفل بحالة، فإن قلنا بالأول لم يجب نزع الأسفل فيمسحه، لكن هل يكفيه مسحه أوْ لابد من إعادة الوضوء؟ فيه القولان في نازع الخفين، وإن قلنا بالثالث فلا شيء عليه، وإن قلنا بالثاني، وجب نزع الأسفل وغسل القدمين، وفي وجوب استئناف الوضوء القولان، فحصل من الخلاف في المسالة خمسة أقوال: أحدها: لا يجب شيء وأصحها مسح الأسفل فقط. الثالث: يجب مسحه مع استئناف الوضوء. الرابع: يجب نزع الخفين وغسل الرجلين. الخامس: يجب النزع واستئناف الوضوء. وفي ص 490 أيضاً: إذا لبس الخف على طهارة ثم أحدث ومسح عليه ثم لبس الجرموق على طهارة المسح، ففي جواز المسح عليه وجهان مشهوران. ثم قال عن الجواز إنه الأظهر المختار لأنه لبس على طهارة وقولهم: إنها طهارة ناقصة غير مقبول. قال الرافعي: قال الشيخ أبو علي: إذا جوَّزنا المسح عنا فابتداء المدة من حين أحدث بعد لبس الخف لا من لبس الجرموق.أ.ه. وقوله من حيث أحدث بناء على أن ابتداء المدة من الحدث، وسيأتي الخلاف في ذلك.

البحث الثالث: في توقيت مدة المسح:

وفي هذه المسألة خلاف بين أهل العلم، فجمهور أهل العلم من الصحابة والتابعين ومن بعدهم على أن المسح مؤقت بيوم وليلة للمقيم. وثلاثة أيام بلياليها للمسافر، وقال بعض العلماء لا توقيت فيه. وفي المجموع 1/ 467: حكاه أصحابنا عن أبي سلمة بن عبد الرحمن والشعبي وربيعة والليث وأكثر أصحاب مالك، وهو المشهور عنه، وعنه أنه مؤقت وعنه مؤقت للحاضر دون المسافر. قال ابن المنذر: وقال سعيد بن جبير: يمسح غدوة إلى الليل.أ.ه. وقال شيخ الإسلام في الاختيارات ص 15: ولا تتوقت مدة المسح في المسافر الذي يشق اشتغاله بالخلع واللبس، كالبريد المجهز في مصلحة المسلمين.

وإذا قلنا بالتوقيت، فمن أين يبتدئ؟

الجمهور من أهل العلم على أن َّ ابتداء المدة: من أول حدث بعد اللبس.

وفي المجموع 1/ 470: وقال الأوزاعي وأبو ثور: ابتداء المدة من حين يمسح بعد الحدث. وهو رواية عن أحمد وداود -وهو المختار الراجح دليلاً- واختاره ابن المنذر وحكى نحوه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وحكى الماوردي والشاشي عن الحسن البصري أن ابتداءها من اللبس. أه.

البحث الرابع: إذا تغيرت حال اللابس من إقامة إلى سفر أو بالعكس فبأيهما يعتبر؟

وهذا له ثلاث حالات:

الحال الأولى: أن يكون التغير قبل الحدث، مثل أن يلبس الخفين مقيماً ثم يسافر قبل أن يُحدث، أو يلبسهما مسافراً ثم يقدم بلده قبل أن يُحدث، ففي المسألة الأولى يمسح مسح مسافر، قال في المجموع 2/ 472. في المسألة الثانية يمسح مسح مقيم ولا إشكال في ذلك.

الحال الثانية: أن يكون التغير بعد الحدث وقبل المسح، مثل أن يلبس الخفين مقيماً ثم يُحدث ثم يسافر قبل أن يمسح. أو يلبسهما مسافراً ثم يُحدث ثم يقدم بلده قبل أن يمسح. ففي المسالة الأولى يمسح مسح مسافر. قال في الإنصاف 1/179 هذا المذهب - وعليه الأصحاب - ورمز لذلك في الفروع 1/168 بالواو إشارة لموافقة الأئمة الثلاثة، قال وعنه مسح مقيم إلخ.أ.ه. وفي المغني 1/290 لا نعلم بين أهل العلم خلافاً في أن من لم يمسح حتى سافر أنه يتم مسح المسافر اه. وفي المسالة الثانية يمسح مسح مقيم، ولم أرّ في ذلك خلافاً.

الحالة الثالثة: أن يكون التغير بعد الحدث والمسح، مثل أن يلبس الخفين ويمسح عليهما مقيماً ثم يسافر، أو يلبس الخفين ويمسح عليهما مسافراً ثم يقدم بلده بعد ذلك. ففي هذه الحال خلاف بين أهل العلم:

أما المسألة الأولى: فلا يخلوا إما أن تكون مدة مسح المقيم قد انتهت أوْلاً. فإن كانت قد انتهت فلا مسح، ولم أرَ في ذلك خلافاً إلا ما ذكره في المحلىَّ 2/109 أنه يتم مسح مسافر.

وإن كانت مدة مسح المقيم باقية، ففي ذلك خلاف: فمذهب مالك والشافعي وأحمد في رواية عنه وإسحاق وداود في رواية عنه يتم مسح مقيم. ومذهب أبي حنيفة والثوري يُتم مسح مسافر، وهو رواية عن أحمد وداود (انظر المجموع 1/472)، قال في المغني: 1/292 قال الخلال: رجع أحمد عن قوله الأول إلى هذا. وفي الإنصاف 1/178 عن صاحب الفائق: هو النص المتأخر وهو المختار.أ.ه.

وأما المسالة الثانية: فلا يخلو إما أن تكون مدة مسح المسافر قد انتهت أوْ لا: فإن كانت قد انتهت، فلا مسح، وإن كانت باقية، أتم مسح مقيم إن بقي من مدته شيء، قال في المغني 1/293: وهذا قول الشافعي وأصحاب الرأي، ولا أعلم فيه مخالفاً.أ.ه. ورمز لذلك في الفروع 1/168 بالواو إشارة لموافقة الأئمة الثلاثة: قال: وفي المبهج: مسح مسافر إن كان مسح مسافراً فوق يوم وليلة.أ.ه. وفي المحلي 2/109 يبتدئ مسح مقيم إن كان قد مسح في السفر يومين وليلتين فأقل، وإلا أتم مسح مسافر إن بقي من مدته شيء.

البحث الخامس: إذا انتهت مدة المسح أو نزع الممسوح، فهل تبقي الطهارة أو تنتقض؟

في هذا خلاف بين العلماء، ذكره في المجموع 1/511.

القول الأول: تبقى طهارته ولا يلزمه شيء، فيُصلي بطهارته ما لم يُحدث، وقد حكاه ابن المنذر عن الحسن البصري وقتاده وسليمان بن حرب، واختاره. قال النووي: وهو المختار الأقوى.

قلت: واختاره ابن حزم 2/94 ونقله في المسألة الأولى (انتهاء المدة) عن إبراهيم النخعي والحسن البصري وابن أبي ليلى وداود، وقال: هذا هو القول الذي لا يجوز غيره. قال ص 95: ولو مسح قبل انقضاء أحد الأمدين بدقيقة كان له أن يصلي به ما لم يحدث. وقال عن المسالة الثانية 2/105 إنه قول طائفة من السلف. وهو أيضاً اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية في المسألتين.

القول الثاني: يلزمه غسل القدمين فقط، وبه قال عطاء وعلقمة والأسود وحكى عن النخغي وهو مذهب أبي حنيفة وأصحابه والثوري وأبي ثور والمزني ورواية عن أحمد.

القول الثالث: يلزمه الوضوء، وبه قال مكحول والنخغي والزهري وابن أبي ليلى والأوزاعي والحسن بن صالح وإسحاق، وهو أصح الروايتين عن أحمد.

القول الرابع: يلزمه الوضوء إن طال الفصل بين النزع وغسل الرجلين، وإلا كفاه غسل الرجلين وبه قال مالك والليث.

وإلى هنا تم ما أردنا كتابته، فنسأل الله تعالى أن ينفع بها إنه جواد كريم.



مجموع فتاوى و رسائل الشيخ محمد صالح العثيمين المجلد الحادي عشر - باب المسح على الخفين.