الوفاء بالنذر

إنني شاب أبلغ من العمر السادسة والعشرين عاماً، قدر الله علي بحصول غمامة من غمامات الدهر التي تعترض كل شاب وكل مسلم، متزوج ولي ثلاثة من الأبناء يعيشون تحت كنف رعايتي بعد الله، ووالدتي طاعنة في السن، أو وقد حجبتني الأقدار الإلهية عن رؤيتهم ما يقارب من سنة وستة أشهر، أنذرت لله أنه عند عودتي لمنزلي وأطفالي الذين أصبحوا فترة غيابي تحت برارة المتصدقين، أن أصوم لله تعالى ستة أيام حمداً وشكراً لله، وأذبح اثنتين من الذبائح لله تعالى، وأزور مكة والمدينة أنا ووالدي، وأقوم بحمل والدتي على أكتافي أطوف بها وأسعى، وعندما انجلت تلك الغمامة ولسوء حالتي المادية وحالة أسرتي قمت بذبح ذبيحة واحدة ولم أستطع إحضار الأخرى، كذلك لم أستطع الذهاب بأسرتي ووالدتي لمكة والمدينة وفاءً بنذري، وذلك لسوء حالتي المادية، حتى الصيام لم أستطع القيام به، وخوفاً من وقوعي في الذنب والوزر بعثت برسالتي هذه عسى ولعلي أجد أبسط الطرق التي تجعلني أتقرب إلى الله وأوفِ بها ما أنذرت، علماً أنني شاب محافظ على أداء الفرائض والنوافل حتى الليل والضحى؟

الإجابة

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد: فالحمد لله الذي يسر لك الاجتماع بوالديك وأولادك، ونسأله -جل وعلا- أن يصلح حالكم جميعاً، وأن يعينك على ما يحبه ويرضاه. أما النذر فالواجب عليك هو الوفاء به حسب الطاقة، قد مدح الله المؤمنين الموفين بالنذر في قوله -جل وعلا-: يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا[الإنسان: 7]، وقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: (من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه)، خرجه الإمام البخاري في صحيحه عن عائشة -رضي الله عنها-، فعليك أن تؤدي الذبيحة الثانية عند القدرة، لا يكلف الله نفساً إلا وسعها، متى استطعت وتيسر لك ما تشتري به الذبيحة الثانية فافعل، واذبحها وتصدق بها على الفقراء، إلا إن كنت نويت أن تأكلها مع أهلك، فأنت على نيتك، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم-: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئٍ ما نوى)، أما إن كنت نذرت الذبح ولم تقصد أن تأكلها مع أهلك فإنك تعطيها الفقراء. وعليك أن تصوم متى تيسر لك ذلك ستة أيام، لأنها طاعةٌ لله فعليك أن تصومها متى استطعت ولو متفرقة، إلا إن كنت نويت أن تصومها متتابعة فأنت على نيتك، الأعمال بالنيات، إن كنت نويتها متتابعة صمها متتابعة، وفاءً بنذرك ونيتك، أما إن كنت لم تنوِ التتابع فإنك تصومها ولو متفرقة ولا حرج في ذلك. وعليك أيضاً أن تحج بوالديك إلى مكة وإلى المدينة كما نذرت، إن كنت أردت العمرة فالعمرة، وإن كنت أردت حجا فحجاً على حسب نيتك في ذهابك إلى مكة، إن كنت أردت بهم العمرة فالعمرة تكفي، وإن كنت أردت حجاً فعليك أن تحج بهم متى استطعت، لا يكلف الله نفساً إلا وسعها، ويقول -سبحانه وتعالى-: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ[التغابن: 16]، وعليك أن تذهب بهم إلى المدينة أيضاً، لأن شد الرحال إلى المدينة للصلاة في مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم- سنة وقربة، وإذا زرت المدينة تسلم على الرسول -صلى الله عليه وسلم- وعلى صاحبيه هذا هو أفضل لك، فإن زيارة قبره -صلى الله عليه وسلم- وقبر صاحبيه لمن كان في المدينة مشروع، إنما الذي ينهى شد الرحل من أجل الزيارة فقط، أما شد الرحل إلى المسجد والزيارة داخلة في ذلك فلا بأس، فتسلم على النبي -صلى الله عليه وسلم- وعلى صاحبيه -رضي الله عنهما-. أما النساء فلا يزرن القبور، ولكن أنت وأبوك ومن معك من الرجال، أما النساء فلا يزرن القبور ولكن يصلين في مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم-، ويصلين عليه في محلهم في المسجد وفي البيوت وفي الطريق -صلى الله وسلم عليه- وعلى أصحابه. ويشرع لكم أيها الرجال -أيضاً- أنت ومن معك من الرجال زيارة البقيع، وزيارة الشهداء، ويستحب لك أيضاً ومن معك من الرجال زيارة مسجد قباء والصلاة فيه لأنه مسجدٌ فاضل، تستحب زيارته لمن كان في المدينة. أما حملك لأمك أو لأبويك أن تحج بهما وتحملهما فلا، ليس عليك ذلك ولكن تطوف أمك بنفسها ويطوف أبوك بنفسه ويسعى كل منهم بنفسه أو في عربانة إن كان يشق عليه ذلك، فالحمد لله الأمر واسع، أما حملهما فليس عليك حملهما، بل تكفر عن نذرك هذا بكفارة يمين عن حملها، عليك كفارة يمين عن حملهما، وهي إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، عشرة تعطي كل واحد نصف صاع من التمر أو البر أو الأرز، أو تكسو كل واحدٍ كسوة تجزئه الصلاة كقميص أو إزار ورداء ويكفي، وليس عليك حملهما بل يطوفان بأنفسهما ويسعيان بأنفسهما، وإذا عجزا يطاف بهما ويسعى بهما والحمد لله، ونسأل الله أن يعينك على الوفاء وأن يتقبل منا ومنك. ونوصيك بعدم النذر، نوصيك في المستقبل بأن لا تنذر، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: (لا تنذروا فإن النذر لا يرد من قدر الله شيئاً، وإنما يستخرج به من البخيل)، فنوصيك في المستقبل أن لا تنذر أبداً، ولو حصل لك نعم تشكر الله وتطيع الله وتحمده ولكن لا حاجة إلى النذر، وقلت في كلامك ولكن حجبت الأقدار فالأفضل أن تقول في مثل هذا ولكن قدر الله كذا وكذا، لأن الأقدر ليس لها تصرف، التصرف لله وحده، فتقول في مثل هذا: قدر الله علي كذا، قدر الله كذا أني لا أستطيع كذا، أني أتأخر عن أولادي كذا، تعبر بنسبة الأمر إلى الله -سبحانه وتعالى-، قدر الله علي كذا، أو أراد الله كذا، هذا هو المشروع، رزقنا الله وإياك العلم النافع والعمل الصالح. سماحة الشيخ: يكثر الشكوى من حالته الاقتصادية كما يقول. الحمد لله، عليك أن تصبر، وأن تأخذ بالأسباب والحمد لله، ربما يكون هذا خيراً لك، جاء في بعض الآثار الإلهية يقول الرب -عز وجل-: (إن من عبادي من لا يصلح له إلا الفقر ولو أغنيته لأفسده ذلك)، فعليك أن تأخذ بالأسباب والله -جل علا- مسبب الأسباب، فعليك أن تسعى بطلب الرزق بأي عمل مباح تفعله، من تجارة وبيع وشراء أو العمل عند من يتيسر عنده العمل المباح، أو الوظيفة إذا تيسرت المباحة، الحمد لله، تفعل الأسباب وتستعين بالله وتطلبه الرزق من عنده -جل وعلا-، ولا مانع أن تؤخذ الزكاة من أهل الزكاة إذا عجزت ولم يتيسر مالاً يقوم بحالك، لا بأس أن تأخذ الزكاة، ولا مانع من صرف الزكاة فيك عند عجزك عن ما يقوم بحالك، والله المستعان. بارك الله فيكم: إذن ما نذر من النذر الذبائح والحالة هذا تسقط عليه حالته الاقتصادية سماحة الشيخ. تبقى دين معلق كسائر الديون. وإذا لم يستطع فلا محذور؟ فلا شيء عليه، إذا مات ولم يستطع إن يسر الله للتركة الشيء أو فعله الورثة ،وإن كان ما وراء التركة سقطت.