مسألة في شروط التوبة

إنني كنت جاهلياً وقد منَّ الله عليَّ بالإسلام وكنت قبل ذلك قد ارتكبت بعض المظالم ولا أستطيع ذكرها هاهنا ولقد سمعت حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه: من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرضه أو من أي شيء فليتحلله منه اليوم قبل ألاّ يكون دينار ولا درهم، إلى آخر الحديث: ما هي النصيحة التي توجهونها لي سماحة الشيخ حفظكم الله ورعاكم؟[1]

الإجابة

قد شرع الله لعباده التوبة، قال الله سبحانه: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ[2]، وقال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا[3]، وقال جل وعلا: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى[4].

قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((التائب من الذنب كمن لا ذنب له))[5].

فمن اقترف شيئاً من المعاصي فعليه البدار بالتوبة والندم والإقلاع والحذر والعزم ألاّ يعود في ذلك والله سبحانه وتعالى يتوب على التائب، متى صدق في التوبة بالندم على ما مضى والعزم ألاّ يعود وأقلع منها تعظيماً لله، وخوفاً من الله، فإنه يُتاب عليه، ويمحو الله عنه ما مضى من الذنوب فضلاً منه وإحساناً، سبحانه وتعالى، لكن إن كانت المعصية ظلماً للعباد، هذا يحتاج إلى أداء الحق، وعليه التوبة مما وقع بالندم والإقلاع، والعزم أن لا يعود وعليه مع ذلك أداء الحق لمستحقه، أو تحلله من ذلك ككونه يقول: سامحني يا أخي أو اعف عني، أو ما أشبه ذلك أو يعطيه حقه، للحديث الذي ذكره السائل وغيره من الأحاديث والآيات، والرسول يقول: ((من كان عنده لأخيه مظلمة فليتحلله اليوم قبل ألاّ يكون دينار ولا درهم إن كان له عمل صالح -يعني الظالم- أُخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه))[6] هذا جزاؤه.

فينبغي للمؤمن أن يحرص على البراءة والسلامة من حق أخيه، فإما أن يؤديه أو يتحلله منه وإذا كان عرضاً، فلا بد من تحلله إن استطاع فإن لم يستطع أو خاف من مغبة ذلك، وأن يترتب على إخباره شراً أكثر، فإنه يستغفر له ويدعو له، ويذكره بالمحاسن التي يعرفها عنه، بدلاً مما ذكره من السوء، يعني يغسل السيئات الأولى بالحسنات الأخيرة، فيذكره بالخير الذي يعلمه عنه لا يكذب وينشر محاسنه، ضد السيئات التي نشرها سابقاً ويستغفر له ويدعو له، وبهذا ينتهي من المشكلة.

[1] من برنامج نور على الدرب، الشريط رقم 83.

[2] سورة النور، الآية 31.

[3] سورة التحريم، الآية 8.

[4] سورة طه، الآية 82.

[5] أخرجه ابن ماجه في كتاب الزهد، باب ذكر التوبة، برقم 4250.

[6] أخرجه البخاري في كتاب الرقاق، باب القصاص يوم القيامة، برقم 6534.