معنى من أحصاها دخل الجنة

ما المقصود بكلمة (أحصاها) في حديث الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- عن أسماء الله الحسنى: (من أحصاها دخل الجنة)؟

الإجابة

الإحصاء يكون بالحفظ، ويكون بالتدبر والتعقل لمعانيها، والعمل بمقتضى ذلك، ولهذا قال -عليه الصلاة والسلام-: (إن لله تسعةً وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة) وفي لفظ: (من حفظها دخل الجنة)، فالمعنى إحصاءها بتدبر المعاني، والنظر في المعاني مع حفظها، لما في ذلك من الخير العظيم والعلم النافع، ولأن ذلك من أسباب صلاح القلب، وكمال خشيته لله، وقيامه بحقه -سبحانه وتعالى-. المذيع/ جزاكم الله خيراً، سماحة الشيخ قد يتكل الناس على بعض مثل هذه الأحاديث فيعتقد أن حفظ أسماء الله الحسنى دون عمل يكفيه لدخول الجنة؟ هذا من الفهم الخطأ، أحديث الترغيب مقصودها حث العباد على العمل بما شرعه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ودعا إليه، مثل (من أحصاها دخل الجنة) في الأسماء الحسنى، مثل: (من صام عرفة كفر الله به السنة التي قبلها والسنة التي بعدها)، وصوم يوم عاشوراء يكفي الله به السنة التي قبله، وأشبه ذلك، كله من باب الترغيب والترهيب، من باب الترغيب إلى طاعة الله -عز وجل-، وأن هذا من أسباب المغفرة مع توافر الأسباب الأخرى التي لا تمنع المغفرة، فإذا تعاطى المؤمن أسباب المغفرة، وليس هناك موانع من إصراره على الكبائر أثرت أثرها، وإذا كان هناك موانع صار ذلك من أسباب عدم المغفرة، لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، كفارات لما بينهن إذا اجتنب الكبائر)، وفي لفظ: (ما لم تغش الكبائر)، ولهذا ذهب جمهور أهل العلم يعني أكثر أهل العلم إلى أن هذه الأحاديث التي فيها فضل كذا وفضل كذا؛ في الصلاة، وأنها تكفر الذنوب، أو الوضوء، أو صوم عرفة، أو صوم يوم عاشوراء، أو إحصاء أسماء الله الحسنى، أو ما أشبه ذلك، كل ذلك مقيد باجتناب الكبائر، بالاستقامة على أداء ما أوجب الله وترك ما حرم الله، وأن هذه الفضائل وهذه الأعمال من أسباب المغفرة مع الأسباب الأخرى التي شرعها الله -عز وجل-، ومع السلامة من الموانع التي تمنع المغفرة، وذلك هو الإصرار على الكبائر، كما قال -عز وجل-: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ[آل عمران: 135]، فشرط في هذا عدم الإصرار، والإصرار هو الإقامة على المعصية وعدم التوبة منها، وهو من أسباب عدم المغفرة، ولا حول ولا قوة إلا بالله. والخلاصة أن هذه الفضائل، وهذا الوعد الذي وعد الله به من أحصى أسماءه الحسنى، بدخول الجنة، ووعد من صام يوم عاشوراء بأن يكفر السنة التي قبله، وهكذا في صوم عرفة، وهكذا غير ذلك، كله مقيد بعدم الإصرار على المعاصي، وهكذا ما جاء في أحاديث التوحيد، وأن من شهد أن لا إله إلا الله صدقاً من قلبه دخل الجنة، كل ذلك مقيد بعدم إقامته على المعاصي، فأما إذا أقام على المعاصي فهو تحت مشيئة الله، قد يغفر له، وقد يدخل النار بذنوبه التي أصر عليها ولم يتب، حتى إذا طهر ونقي منها أخرج من النار إلى الجنة، فالواجب على كل مسلم ومسلمة أن يحذر الاتكال على أحاديث الترغيب والوعد، ويعرض على أحاديث الوعيد وآيات الوعيد، بل يجب أن يأخذ بهذا وهذا، يجب أن يحذر ما حرمه الله من المعاصي، وأن تكون على باله بالآيات التي فيها الوعيد، والأحاديث التي فيها الوعيد، لمن تعدى حدود الله وركب محارمه، ومع ذلك يحسن ظنه بربه، ويرجوه، ويتذكر وعده بالمغفرة والرحمة لمن فعل الأعمال الصالحة، فيجمع بين هذا وهذا بين الرجاء والخوف، فلا يقنط ولا يأمن، وهذا هو طريق أهل العلم والإيمان، كما قال -جل وعلا- عن أنبياءه: إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا يعني رجاءً وخوفاً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ[الأنبياء: 90]، قال -سبحانه-: أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ[الأسراء: 57] فهكذا أهل الإيمان من أتباع الرسل، هم على هذا السبيل، يوحدون الله، ويخشونه، ويؤدون فرائضه، ويدعون محارمه، ويرجونه ويخافونه -سبحانه وتعالى-. جزاكم الله خيراً