قوله تعالى: فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا

يقول السائل: ورد في سورة الكهف على لسان الرجل الصالح في قصته مع موسى عليه السلام، في قوله تعالى: أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ.... إلى قوله تعالى: ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا[1]. لاحظت أنه عند السفينة قال: فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وعند ذكر الأبوين المؤمنين: فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا وعند ذكر قصة اليتيمين صاحبي الجدار فَأَرَادَ رَبُّكَ. فما الفرق بين التعابير الثلاثة؟ وهل ذلك يعني أن للرجل الصالح إرادة في الأمر مع إرادة الله؟

الإجابة

الصحيح أن هذا الرجل هو الخضر صاحب موسى عليه الصلاة والسلام، وأنه نبي، وليس مجرد رجل صالح، بل الصحيح أنه نبي؛ ولهذا قال: وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي أي: بل عن أمر الله سبحانه وتعالى.

وجاء في القصة نفسها في الصحيح أنه قال لموسى: إنك على علم من علم الله علمك الله إياه لا أعلمه أنا، وأنا على علم من علم الله علمنيه لا تعلمه أنت.

فدل ذلك على أنه من الأنبياء؛ ولهذا قال: فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا، وقال: وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي، والرسول يعلم إرادة الله حيث جاءه الوحي بذلك.

وفي قصة السفينة نسب الأمر إليه: فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا هذا والله أعلم؛ لأن الرب سبحانه ينسب إليه الشيء الطيب، والعيب ظاهره ليس من الشيء الطيب، فنسبه إلى نفسه تأدباً مع ربه عز وجل، فقال: فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا، وهذا عيب يراد منه أن تسلم السفينة حتى لا يأخذها الملك؛ لأنه كان يأخذ كل سفينة صالحة سليمة، فأراد الخضر أن يعيبها؛ لتسلم من هذا الملك إذا رآها معيبة خاربة تسلم من شره وظلمه، فلما كن ظاهر الأمر لا يناسب ولا يليق إضافته لله نسبه لنفسه فقال: فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا.

وعند ذكر الأبوين المؤمنين قال: فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا كذلك لما كان أمراً طيباً نسبه إلى نفسه؛ لأنه مأمور من جهة الله عز وجل (أردنا)، وذكر نون الجمع؛ لأنه نبي، والنبي رجل عظيم فناسب أن يقول: (أردنا)، ولأنه عن أمر الله وعن توجيه الله، فناسب أن يقال فيه: (أردنا)، ولأنه كان عملاً طيباً ومناسباً وفيه مصلحة.

ولما كان أمر اليتيمين فيه خير عظيم، وصلاح لهما، ومنفعة لهما قال: فَأَرَادَ رَبُّكَ فنسب الخير إليه سبحانه وتعالى، وهذا من جنس قول الجن في سورة الجن، حيث قال سبحانه عن الجن: وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا[2].

فالشر لم يضيفوه إلى الله سبحانه وتعالى، ولما جاء الرشد قالوا: أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا فنسبوا الرشد إلى الله سبحانه وتعالى؛ لأن الرشد خير فنسبوه إلى الله، وأما الشر فلا ينسب إليه، كما جاء في الحديث الصحيح: ((والشر ليس إليك))، وهذا من الأدب الصالح، من أدب الجن المؤمنين، ومن أدب الخضر عليه الصلاة والسلام، قال في العيب: فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وفي اليتيمين: فَأَرَادَ رَبُّكَ، وهذا من الأدب المناسب مع الله سبحانه.

[1] الكهف 79-82.

[2] الجن: 10.