الجمع بين حديث غربة الدين والطائفة المنصورة

ما الجمع بين حديث: ((بدأ الإسلام غريباً))، وحديث: ((لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق))؟[1]

الإجابة

لا منافاة بينهما: فالأول ظاهر من الواقع، وتمامه: ((فسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء))[2]، وفي رواية لغير مسلم: ((يحيون ما أمات الناس من سنتي))[3]، وفي رواية أخرى: ((الذين يصلحون ما أفسد الناس))[4].

والحديث الثاني يدل على بقاء الإصلاح والدعوة والعلم والتعليم، وفيه بشارة أن هنالك طائفة لا تزال ظاهرة على الحق، فالغربة لا تنافي الطائفة، ولا يلزم أن تكون بمكان واحد، والحق لا بد من بقائه حتى يخرج الدجال، وحتى تأتي الريح.

ثم إن هذه الغربة قد تزداد في مصر من الأمصار وتقل في مصر آخر، وقد تكون الغربة ذات معان متعددة: في كثرة البدع أو إنكار صلاة الجماعة أو عدم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومن أعظمها، غربة أهل التوحيد وظهور الشرك، نسأل الله العافية. وقد يظهر الإسلام في ناحية ويكون فيها أحسن مما قبل كما هو الواقع، وقد يكون في زمان أفضل من زمان آخر.

أما حديث: ((لا يأتي زمان إلا والذي بعده شر منه))[5]، فهو محمول على الأغلب، فلا يمنع أن يكون في بعض الزمان أحسن مما قبله، كما جرى في زمان عمر بن عبد العزيز فإن زمانه أحسن من زمان سليمان والوليد، وكما حصل في زمان شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم من ظهور السنة والرد على المبتدعة، وكما جرى في الجزيرة بعد دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله.

[1] نشر في كتاب فتاوى إسلامية جمع وترتيب محمد المسند، ج 4، ص136.

[2] أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب بيان أن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً، برقم 208.

[3] أخرجه ابن قتيبة في كتاب تأويل مختلف الحديث 1/115.

[4] أخرجه الترمذي في كتاب الإيمان، باب ما جاء أن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً، برقم 2554.

[5] أخرجه البخاري في كتاب الفتن، باب لا يأتي زمان إلا الذي بعده شر منه، برقم 6541.