شد الرحال إلى الأضرحة وطلب الحاجات منهم

فإني أود أن أعرض عليكم هذه القضية التي تهم قطاعاً كبيرا من المسلمين الباحثين عن الحقيقة، والقضية هي: أن كثيرا من الناس يشدون الرحال إلى الأضرحة وقبور الصالحين سائلين أهلها من الأموات شفاء مرضهم أو قضاء حوائجهم، ويقدمون لأصحاب هذه الأضرحة النذور والذبائح ويدعونهم ويستغيثون بهم وما شابه ذلك من أعمال، وهذه القضية اختلفت فيها الآراء، فالذين يقومون بهذا العمل يقولون: إن لله في الأرض عباد يستجيب الله الدعاء من أجلهم، والذين يعارضون هذا العمل قالوا: إن هذا شرك صريح، ومخرج لصاحبه من الملة، نرجو أن تلقوا مزيداً من الضوء على جوانب وزوايا هذا الموضوع، مع بيان هل يجوز الصلاة خلف مرتكبيه أو لا يجوز؟ وفقكم الله.

الإجابة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد: فإن هذا السؤال مهم جداً, وعظيم جدا, وهو شد الرحال إلى الأضرحة لطلب الحاجات وشفاء المرضى من أصحاب القبور, ولدعائهم والاستغاثة بهم والنذر لهم, وتقديم الذبائح ونحو ذلك, أما شد الرحال لمجرد الزيارة للقبور فهذا لا يجوز على الصحيح من أقوال العلماء لأنه منهي عنه؛ ولأنه وسيلة إلى لشرك, والأصل في هذا قوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد, المسجد الحرام, ومسجي هذا -يعني مسجد النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة- والمسجد الأقصى)، هذه الثلاثة يشد لها الرحال بنص النبي عليه الصلاة والسلام, وما سواها لا تشد له الرحال، فيدخل في ذلك بقية المساجد، ويدخل في ذلك أيضاً الأضرحة من باب أولى, فإنه إذا كان لا تشد الرحال إلى المساجد وهي أفضل البقاع فغيرها من البقاع التي تشد لها الرحال من أجل فضل المدفون بها ونحو ذلك من باب أولى في المنع, ولهذا أصح أقوال العلماء في هذا الباب تحريم شد الرحال لزيارة القبور, وإنما تزار من دون شد الرحال, زيارتها سنة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة), فالسنة زيارة القبور, والدعاء لأهلها بالمغفرة والرحمة، للرجال خاصة دون النساء, لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بزيارة القبور وقال: (إنها تذكر بالموت وتذكر الآخرة), وكان يعلم أصحابه ذلك, يعلمهم إذا زاروا القبور أن يقولوا: (السلام عليكم أهل الديار من المسلمين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية), وكان يزور البقيع عليه الصلاة والسلام ويترحم عليهم ويدعو لهم بالمغفرة, أما بشد الرحال فلا, لا تشد الرحال لزيارة القبور, كما لا تشد لأجل زيارة المساجد الأخرى غير الثلاثة, أما إذا قصد بشد الرحال دعاء الميت والاستغاثة بالميت, هذا منكر وحرام بالإجماع, بإجماع المسلمين، ولو فعل هذا من دون شد الرحل, لو أتى القبور التي في بلاده من دون شد رحل, يستغيث بها أو ينذر لها, أو يذبح لها, أو يسألها قضاء الحاجات, وشفاء المرضى, وتفريج الكروب, كان هذا منكراً عظيماً، وشركاً ظاهرا. وهذا هو شرك الأولين من الجاهلية, كانوا يفعلون هذا مع الأموات, كانت الجاهلية تشرك بالأموات وتستغيث بهم وتنذر لهم, ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله, ويقولون: ..مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى.. (3) سورة الزمر، كما حكى الله عنهم ذلك سبحانه وتعالى, فإنه سبحانه قال: وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ فرد الله عليهم بقوله: قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (18) سورة يونس، وقال سبحانه: فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ* أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى يعني يقولون ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى، فرد الله عليهم بقوله: إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ (2-3) سورة الزمر، فبين سبحانه وتعالى أن عبادتهم إياهم بالدعاء والضراعة والاستغاثة والذبح والنذر والسجود على القبور أو نحو ذلك, أن هذا هو الشرك بالله وأن هذا هو الكفر والضلال، وأن هذا لا ينفعهم بل يضرهم, وإن زعموا أنهم شفعاء عند الله, وإن زعموا أن،.......... لأن دعاء الأموات والاستغاثة بالأموات, أو بالأصنام, أو بالأشجار, لا يقرب إلى الله, ولا يدني من رضاه, بل يباعد من رحمته, ويوجب غضبه, ويوجب النار, وحرمان الجنة, كما قال الله جل وعلا في كتابه العظيم: ..إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ (72) سورة المائدة، وقال سبحانه: إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء.. (48) سورة النساء، فبين سبحانه أنه لا يغفر الشرك ولكن يغفر ما دونه لمن يشاء, فما دون الشرك معلق بمشيئة الله, إن شاء الله غفره سبحانه وإن شاء الله عذب أصحابه إن ماتوا قبل التوبة, وأما الشرك فلا يغفر إذا مات عليه صاحبه, وكذلك الشرك يحبط الأعمال، كما قال الله سبحانه: ..وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (88) سورة الأنعام، والشرك معناه صرف بعض العبادة لغير الله, من دعاء أو خوف أو رجاء أو توكل، أو ذبح أو نذر أو صلاة أو صوم أو نحو ذلك, فالذي يدعو الأموات ويستغيث بهم, وينذر لهم, ويزعم أنهم يشفعون له، أو يقربونه إلى الله زلفى, قد فعل كما فعل الأولين, سواءً بسواء، وهكذا إذا تقرب إليهم بالذبائح والنذور, هذا كله شرك بالله عز وجل ومنكر يجب على أهل العلم إنكاره, وبيان بطلانه, وتحذير العامة من ذلك، وهذا هو نفس الشرك الذي فعله أبو جهلٍ وأشباهه في الجاهلية، مع اللات والعزى ومناة, وهذا هو شرك الأولين مع أصنامهم وأوثانهم في كل مكان. ومن المصائب أن يظن العامة أن هذا دين وأن هذا قربة, وأن يسكت على ذلك من ينسب إلى العلم, ويتساهل في هذا الأمر, فإن هذا يضر العامة ضرراً عظيماً، إذا سكت المنسوبون إلى العلم ولم ينكروا هذا الشرك ظن العامة أنه جائز وأنه دين وأنه قربة, فبقوا عليه واستمروا عليه، فالواجب على أهل العلم إنكار الشرك بالله, وإنكار البدع, وإنكار المعاصي, والتحذير من ذلك, وتنبيه العامة على كل ما حرم الله عليهم حتى يحذروه, من الشرك فما دونه, ولا شك ولا ريب أن دعاء الأموات والاستغاثة بالأموات وطلب شفاء المرضى, وطلب المدد, أن هذا هو الشرك بالله عز وجل, وهذا يفعله كثير من الناس عند بعض القبور, كما يفعله بعض الناس عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم أيام الحج من بعض الجهلة, وكما يفعله بعض الناس عند قبر السيد البدوي في مصر, وعند قبر الحسين في مصر, وعند قبور أخرى, وهكذا يفعل عند قبر الشيخ عبد القادر الجيلاني ويفعله بعض الناس وهم بعيدون عن هذه القبور, يدعونه من بعيد، ويسألونه قضاء الحاجات, وشفاء المرضى من بعيد، وهكذا يفعل عند قبور أهل البيت من بعض من يزروها من الشيعة وغير الشيعة, وهكذا عند قبر ابن عربي في الشام, وهكذا عند قبورٍ أخرى في بلدان لا يحصيها إلا الله عز وجل, وهذه قضية عمت وطمَّ شرها, وعظم ضررها بأسباب قلة العلم, وقلة من ينبه على هذا الأمر الخطير, وإني أهيب بجميع أهل العلم في كل مكان أن يتقوا الله, وأن ينذروا الناس من هذا الشرك, وأن يحذروهم منه, وأن يبينوا لهم أن العبادة حق الله وحده, كما قال سبحانه: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) سورة الفاتحة. وقال عز وجل: وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ.. (23) سورة الإسراء. وقال سبحانه وتعالى: وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا.. (36) سورة النساء . وقال عز وجل: ..فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ * أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ.. (2-3) سورة الزمر, وقال سبحانه: وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا (18) سورة الجن، في آياتٍ كثيرات تدل على وجوب إخلاص العبادة لله وحده، وأنه لا يجوز أبداً أن يدعى أحد من دونه من الأشجار أو الأحجار أو الأموات أو الأصنام أو الكواكب أو غير ذلك، فإن العبادة حق الله وحده، ليس لأحدٍ فيها حق, لا الملائكة, ولا الأنبياء, ولا الصالحون ولا غيرهم, بل العبادة حق الله وحده, والرسل بعثوا ليعلموا الناس دينهم، ولينذروهم من الشرك بالله, وليوجهوهم إلى عبادة الله وحده، كما قال سبحانه: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ.. (36) سورة النحل، وقال عز وجل: وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25) سورة الأنبياء, في آياتٍ كثيرات أخرى, وقال النبي عليه الصلاة والسلام لمعاذ: (أتدري ما حق الله على العباد وما حق العباد على الله؟) قلت: الله ورسوله أعلم, قال: (حق الله على العباد: أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا, وحق العباد على الله: أن لا يعذب من لا يشرك به شيئا), فهما حقان: حق الله على عباده, وحق العباد على الله, أما حق الله على عباده فهو حق مفترض، حق عظيم يجب عليهم أن يؤدوه, وقد خلقوا لأجله كما قال سبحانه: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) سورة الذاريات، والله أرسل الرسل من أجله، كما تقدم، فوجب على العباد أن يعبدوا الله وحده, هذا حقه عليهم, حق فرضه عليهم, فعليهم أداؤه,وعليهم أن يؤدوا كل ما أمر الله به ورسوله, وأن ينتهوا عما نهى الله عنه ورسوله, كل هذا من عبادته سبحانه وتعالى, أداء الفرائض, وترك المحارم ابتغاء وجه الله, وإخلاصاً له سبحانه, كل ذلك من عبادته ومن طاعته وتعظيمه, أما حق العباد على الله فهو حق تفضل وإحسان وجود وكرم, من كرمه وجوده وإحسانه أن أفرده بالتوحيد والإيمان والهدى فإن الله يدخله الجنة ولا يعذبه بالنار، هذا فضله وإحسانه جل وعلا، كما يقول سبحانه: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ (8) سورة لقمان، إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ (17) سورة الطور،إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (45) سورة الحجر, فالواجب على أهل الإسلام أن يعبدوا الله وحده, وأن يخصوه بالعبادة، وأن يتفقهوا في دين الله, وأن يحذروا الشرك بالله عز وجل، فإن دعوى الإسلام مع وجود الشرك لا تنفع, بل ينتقض إسلامه بشركه بالله, فالشرك ينقض الإسلام, ويبطله, فوجب على من ينتسب للإسلام أن يحقق إسلامه ويتفقه في دين الله, وأن يحفظ دينه من أنواع الشرك بالله عز وجل حتى يبقى له إسلامه، وحتى يبقى له دينه, وهكذا يجب على كل أهل الأرض من المكلفين، من جن ٍ وإنس, وعربٍ وعجم، يجب عليهم جميعاً أن يعبدوا الله وحده, وأن ينقادوا لما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، فهو رسول الله حقاً, وهو خاتم الأنبياء؛ لأن الله بعثه لأهل الأرض جميعاً، من الجن والإنس, ومن العرب والعجم, من سائر الأمم, يجب عليهم أن يعبدوا الله, وأن ينقادوا لما جاء به رسوله محمد صلى الله عليه وسلم كما قال الله سبحانه آمراً النبي أن يبلغ الناس: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا.. (158) سورة الأعراف، وقال سبحانه: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا.. (28) سورة سبأ، وقال عز وجل: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ (107) سورة الأنبياء, فهو رسول الله إلى الجميع, إلى الجن والإنس، إلى العرب والعجم، إلى اليهود والنصارى والفرس وجميع أهل الأرض من جنٍ وإنس، عليهم جميعاً أن يعبدوا الله ويوحدوه ويخصوه بالعبادة وأن لا يعبدوا معه لا ملكاً مقربا, ولا نبياً مرسلا، ولا شجراً ولا ميتاً ولا صنماً ولا وثناً ولا غير ذلك, بل عليهم أن يخصوا الله بالعبادة دون كل ما سواه, وعليهم أيضاً أن ينقادوا لما جاء به نبيهم محمد عليه الصلاة والسلام, وأن يحكموه فيما بينهم, وأن لا يخرجوا عن هديه وطريقه، كما قال سبحانه وتعالى في كتابه العظيم: فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا (65) سورة النساء، وقال سبحانه: قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (54) سورة النور. عليه الصلاة والسلام, ويقول عز وجل: ..فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157) سورة الأعراف. فالمفلحون هم هؤلاء, هم أتباع النبي محمد عليه الصلاة والسلام، أما الذين خرجوا عن دين محمد صلى الله عليه وسلم ولم ينقادوا لشرعه ولم يصدقوه فهؤلاء هم الخاسرون, هم الهالكون, هم الضالون, هم الكافرون، من أي جنسٍ كان, وقال سبحانه: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (158) سورة الأعراف. فجعل الهداية باتباعه, فدل ذلك على أن من خرج عن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم فهو الخاسر وهو الضال غير المهتدي, فالهداية والفلاح والنجاة في اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم, وفي إخلاص العبادة لله وحده, وتحكيم شريعة الله التي جاء بها رسوله محمد صلى الله عليه وسلم. وبهذا يعلم أن الواجب على جميع الأمم توحيد الله والإخلاص لله, وعلى جميع الدول أن تعبد الله وأن تلزم شعوبها بعبادة الله, وأن تدع ما هي عليه من الشرك والباطل. هذا عام لجميع الدول، لجميع الناس, ولكن المسلمين المنتسبين للإسلام الواجب عليهم أخص وأكبر, لأنهم انتسبوا إلى دين الله فوجب عليهم أن يعظموا دين الله, وأن يصونوه عما حرم الله, وأن يخلصوا العبادة لله وحده حتى يتحقق إسلامهم, وحتى يكونوا مسلمين حقاً لا بالانتساب, فالانتساب لا يفيد ولا ينفع, بل يجب أن يكون إسلامهم حقاً بعبادة الله وحده، والإخلاص له, وتعظيم أمره ونهيه, واتباع نبيه محمد عليه الصلاة والسلام. ويجب على الأمم الأخرى التي لا تنتسب إلى الإسلام من اليهود والنصارى والمجوس وغيرهم, من جميع الأمم التي لا تتبع محمداً صلى الله عليه وسلم عليهم جميعاً أن يعبدوا الله وحده, وعليهم جميعاً أن ينقادوا للشرع الذي جاء به محمد عليه الصلاة والسلام, عليهم جميعاً ذلك, لأنهم مأمورون بذلك، مخلوقون لذلك، والله بعث محمدا إلى الجميع، عليه الصلاة والسلام، إلى جميع أهل الأرض من الجن والإنس، فلا يجوز لأحدٍ منهم أن يخرج عن شريعة محمد عليه الصلاة والسلام كائناً من كان. فنسأل الله للجميع الهداية والتوفيق والفقه في الدين. ولا حول ولا قوة إلا بالله.