الإجابة:
أول المساجد فضلا ، وأعظمها أجرا ، وأعلاها قدرا البيت الحرام ، فمسجد
الكعبة هو أعظم المساجد ، وأفضلها على الإطلاق ؛ لأنه اجتمعت فيه
فضائل لا توجد في غيره :
فأولا : أن الطواف لا يشرع إلا فيه ، وهذه فضيلة لا توجد في غير
المسجد الحرام ، والطواف من أجل القربات لله - عز وجل .
وثانيا : مضاعفة الصلاة فيه أكثر من غيره ، فالصلاة في مسجد الكعبة
بمائة ألف صلاة ، وهذه فضيلة لا توجد في غيره ؛ كما نص رسول الله -
صلى الله عليه وسلم - على ذلك .
وثالثا : قِدَمه ؛ لأنه أول بيت وضع للناس ، وهو مسجد الكعبة ،
والأقدم مقدّم على غيره - كما سيأتي في ضوابط التفضيل بين المساجد - .
فالأفضل مسجد الكعبة ، ثم يليه مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم -؛
لأن الصلاة فيه بألف ، وهذه فضيلة لا توجد في غيره ما عدا المسجد
الحرام ، ولذلك يفضل مسجد المدينة على ما سواه من المساجد بعد مسجد
الكعبة ، ثم المسجد الأقصى ؛ لورود الفضل فيه ، والصلاة فيه بخمسمائة
، وكذلك ينظر في التفضيل إلى أصول وضوابط دلت عليها أدلة الكتاب
والسنة :
فأولها : قِدَم المسجد ، فإذا كان المسجد أقدم ؛ فإنه أفضل ، وأولى
بالاعتكاف ؛ والدليل على ذلك قوله تعالى : { لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ
عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ
فِيهِ } فبيّن عز وجل في هذه الآية الكريمة أن المسجد الأقدم
أحقّ أن يقوم الإنسان فيه بالعبادة ، وهذا أخذ منه الأئمة - رحمهم
الله - تفضيل المسجد الأقدم .
كذلك أيضا : يفضل المسجد الأكثر عددًا ؛ لأن النبي - صلى الله عليه
وسلم - ثبت في الحديث الصحيح عنه أنه قال: " صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده ، وصلاته
مع الرجلين أزكى من صلاته مع الواحد وما كان أكثر فهو أزكى. "
ففضّل الصلاة مع كثرة العدد ، فتفضل المساجد التي هي أكثر عددا ؛
لوجود هذه الفضيلة الثابتة في سنة النبي - صلى الله عليه وسلم .
كذلك يفضل الاعتكاف في المسجد الذي يخشع فيه قلب الإنسان أكثر، وتتوفر
الدواعي للخشوع من : وجود إمام يتأثر بقراءته ، ويتأثر بخُطَبه ،
ويتأثر بمواعظه ، ويتأثر بتوجيهه ؛ فحينئذ يحرص على أن يصلي فيه ؛ لأن
الله - عز وجل - مقلّب القلوب، ويرزق أئمة المساجد القبول فضلا منه -
عز وجل - ، والإخلاص له أثر، فقلّ أن يوضع القبول لإنسان في أمر من
أمور الدين إلا ووراء ذلك بعد فضل الله سر من الإخلاص .
فإذا صلى الإنسان وراء إمام مخلص أو تظهر آثار إخلاصه في انتفاعه
بوعظه ، وانتفاعه بتوجيهه ، وحبه له ، وتأثره بنصائحه ، فهذا لا شك
أنه أفضل في حق هذا المكلف ؛ لأن المقصود الأعظم هو الخشوع ، وحضور
القلب ، وهذا أصل معتبر في سماع التلاوة ، والتأثر بالقرآن، وبالمواعظ
.
وبخلاف الإمام الذي ينفّر الناس ؛ وقد صح عن رسول الله - صلى الله
عليه وسلم - ذلك ، فقال : "إن منكم
منفرين. "
فإذا كان في المسجد له إمام ينفر، وأسلوبه ينفّر ولا يحبّب، فحينئذ
يقدّم غيره عليه ؛ لأنه أقرب إلى السنة ، واتباع النبي - صلى الله
عليه وسلم - ، وهذه كلها من الأسباب أو الضوابط التي توجب تفضيل مسجد
على آخر، وتقديمه على غيره .