هل الأرزاق متعلقة بالعبادة

كثيراً ما أسمع أن عدم نزول القطر من السماء متعلق بالعبادة فإذا كان كذلك، فهل الذي في الهند وغيرهم الذين يأتيهم السيل باستمرار يعبدون الله أكثر مما نحن نعبده، أو أن المسألة دوران فلك؟ أرجو توضيح ذلك لو تكرمتم،

الإجابة

والواقع هذا يدور سماحة الشيخ على ألسنة كثير من الناس. ج2/ علينا على المؤمن وعلى كل مسلم أن يعلم أن الله- سبحانه- خلق الخلق وتكفل بأرزاقهم سواء كانوا كفار أو مسلمين, قال-عز وجل-: وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا, وقال-سبحانه-: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ, وقال- سبحانه-: وَكَأَيِّن مِن دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ فهو- سبحانه- خلق الخلق من جن وإنس وكفار ومسلمين وتكفل بأرزاقهم, فهو ينزل الأمطار, ويجري الأنهار في البلاد الإسلامية وغيرها, ويرزق هؤلاء وهؤلاء لكنه- سبحانه- يؤدب عباده المسلمين إذا فعلوا ما يخالف شرعه وعصوا أمره قد يؤدبهم قد يعاقبهم لينتبهوا وليحذروا أسباب غضبه, فيمنع القطر كما منع في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو أصلح الناس عهد النبي أصلح الناس أصلح العهود, والنبي أصلح الناس, وصحابته أصلح العباد ومع هذا ابتلوا بالقحط والجدب حتى طلب المسلمون من الرسول أن يستغيث, وقالوا يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل فادعوا الله أن يغيثنا فاستغاث رفع يديه, وقال: (اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم أغثنا فأنزل الله المطر وهو على المنبر-عليه الصلاة والسلام- فأنشأ الله سحابة وهو على المنبر ثم اتسعت فأمطرت, فخرج الناس تهمهم نفوسهم من شدة المطر, فلم يزل المطر حتى جاءت الجمعة الأخرى, فجاءوا إليه فقالوا: يا رسول الله! هلكت الأموال, وانقطعت السبل فادعوا الله أن يصرفه عنا فضحك-عليه الصلاة والسلام-من ضعف بني آدم في الجمعة الأولى يطلبون الغيث, وفي الجمعة الأخرى يطلبون الإمساك فرفع يديه وقال: اللهم حوالينا ولا علينا, اللهم على الآكام والظراب وبطون الأودية ومنابت الشجر ، قال أنس فتمزق السحاب في الحال وصارت المدينة مثل الجوبة تمطر هاهنا وهاهنا), فالمقصود أنه - صلى الله عليه وسلم - استغاث وأصيب بالجدب في زمانه, وأصاب أصحابه الجدب وهم خير الناس تأديباً وتنبيهاً حتى ينتبه الناس, وحتى يضرعوا إلى ربهم ويسألوه من فضله-سبحانه وتعالى-؛ لأن تأديبهم فيه خير لهم, فينتبهون ويعبدون بالدعاء, ويضرعون إليه, ويعلمون أنه الرزاق فهكذا البلاد الإسلامية وإن كانت بلادهم أصلح من بلاد الكفار, وهم خير من الكفار, وهم أعبد الناس لربهم-سبحانه وتعالى- لكن يبتليهم بالسراء والضراء بالسراء حتى يشكروه, وبالضراء حتى ينتبهوا ويصبروا, وحتى يجازيهم بالأجر العظيم على صبرهم, وبالأجر العظيم على شكرهم, فإذا لم ينتبهوا أصيبوا بالجدب والقحط, أو بتسليط الأعداء, أو بغير هذا حتى ينتبهوا حتى يرجعوا إلى الله, حتى يتوبوا إليه كما قال-سبحانه-: وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ, وقال في قصة أحد لما أصابهم ما أصابهم من الهزيمة قال: أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا يعني يوم بدر قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ, فإن المسلمين في بدر نصروا على الكفار وهزم الله الكفار, وأسروا منه سبعين وقتلوا سبعين من الكفار, وكانت الدائرة على الكفار والنصر للمسلمين, وفي يوم أحد جرى على المسلمين مصائب بأسباب أنفسهم؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أمر الرماة أن يلزموا الثغر الذي خلف المسلمين, وكانوا خمسين أمر عليهم عبد الله بن الجبير وقال لهم: (لا تبرحوا مكانكم ولو رأيتمونا تتخطفنا الطير) سواءً نصرنا أو لم ننصر لا تبرحوا مكانكم, فلما نصر الله المسلمين وانهزم الكفار ظن الرماة أنها الفيصلة وأن الأمر انتهى, وأنه ما بقي إلا جمع الغنائم, فانصرفوا من مكانهم فأمرهم أميرهم أن يبقوا وذكرهم بقول الرسول-صلى الله عليه وسلم-فامتنعوا عليه, وقالوا إن الأمر انتهى والكفار انهزموا, فلما فعلوا ذلك جاءت الخيل خيل الكفار من خلف المسلمين ودخلوا من هذا الثغر الذي أهملوه وصارت المصيبة على المسلمين بأسبابهم, فالمقصود أن المسلمين قد يبتلون بأمور فيها تذكير لهم, وفيها مصالح لهم وربك أحكم وأعلم-سبحانه وتعالى- لينتبهوا وليعلموا أن النصر بيد الله, وأن كونهم عبدوا الله, وكونهم فيهم رسول الله لا يكفي بل لا بد من العمل بطاعة الله, لا بد من القيام بأمر الله, لا بد من الصبر على جهاد أعداء الله, ولهذا نبههم بقوله-سبحانه-: أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ, فإذا كان الرسول وأصحابه تصيبهم عقوبات الذنوب ويبتلون كما يبتلى غيرهم فكيف بغيرهم, أما أولئك الكفرة, فقد فرغ منهم قد أطاعوا الشيطان وتابعوا الشيطان في الهند وفي غير الهند, وفي أمريكا وفي انجلترا, وفي كل مكان فإذا أجرى الله عليهم النعم, وأدر عليهم الأرزاق, وجاءتهم الأمطار فهو استدراج لهم والعاقبة وخيمة كما قال- عز وجل-: فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فقد تنزل بهم عقوبات كما نزلت بهم في الحرب العظمى الأولى والثانية نزلت بهم عقوبات بأسباب الكفر والذنوب, فالله-سبحانه- يملي ولكن لا يغفل-سبحانه وتعالى-: وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ, ويقول سبحانه: وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ فقد يملي الله للكفرة ويتابع عليهم النعم من الأمطار, وجري الأنهار, وحصول الثمار ثم يأخذهم إذا شاء أخذ عزيز مقتدر سبحانه وتعالى, ثم هم بعد ذلك مستدرجون, فكلما زادت النعم واستمر الأمن عليهم وهم في معاصي الله وكفره صار عذاب يوم القيامة أكبر وصار أشد عليهم يوم القيامة مما لو أخذوا في الدنيا من بعض الشيء, فينبغي للعاقل أن لا يغتر بهذه الأمور, وينبغي للمسلم أن ينتبه لهذه الأمور وأن المسلمين قد يبتلون, ثم تكون لهم العاقبة الحميدة, ثم بلواهم تنفعهم إن بلوا بالسراء وشكروا نفعهم ذلك, وإن بلوا بالضراء فاستكانوا لله وصبروا وسألوه واستغاثوا به سبحانه وتابوا إليه نفعهم ذلك نسأل الله للجميع التوفيق والهدية. إذاً قضية الفلك التي يذكرها أخونا لا علاقة لها بهذا الموضوع؟ لا هذا أظنها عادة لا ليست عادة بل لله فيها الحكم سبحانه وتعالى. بارك الله فيكم