رفع اليدين يوم الجمعة عند دعاء الإمام

السؤال: ما حكم رفع اليدين يوم الجمعة عند دعاء الإمام؟ وهل قياس بعض أهل العلم المعاصرين المأموم على الإمام -في المنع من ذلك- له وجه؟ أرجو التفصيل، مع ذكر الأدلة.

الإجابة

الإجابة: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فإنَّ الأصل هو رفعَ اليدين حالَ الدُّعاء مطلقاً؛ وذلك إظهارا ًللذُّلِّ والانكسار، والفقر إلى الله سبحانه، وتَضَرُّعاً واستجداءً لنَوَالِهِ، وهو من آداب الدعاء المتفق عليها، وأسباب إجابته؛ لما فيه من إظهار صدق اللجوء إلى الله عز وجل والافتقار إليه؛ كما يُشِير إليه حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إنَّ الله طَيِّبٌ لا يَقبل إلا طَيِّباً"، وفيه: "ثم ذَكَرَ الرَّجُلَ يطيل السَّفَر، أشعثَ أغْبَرَ، يمدُّ يديْهِ إلى السماء: يا رب، يا رب" (رواه مسلم).

- قال العلامةُ ابنُ رجبٍ الحنبلي: هذا الكلام أشار فيه صلى الله عليه وسلم إلى آداب الدعاء، وإلى الأسباب التي تقتضي إجابَته، وإلى ما يمنع من إجابته، فذكر من الأسباب التي تقتضي إجابَةَ الدُّعاءِ أربعة:...، قال: الثالث: مدُّ يديه إلى السَّماء، وهو من آداب الدُّعاء التي يُرجى بسببها إجابتُه، وفي حديث سلمانَ عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: "إن الله حَيِيٌّ كريم يستحْيي إذا رفع الرجل إليه يديه أن يرُدَّهُما صفراً خائبتين" (خرَّجه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه. ورُوِيَ نحوه من حديث أنسٍ وجابرٍ وغيرِهِما).

وكان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يرفع يديه في الاستسقاء حتى يُرى بياضُ إبطيه، ورَفَعَ يديه يومَ بدرٍ يستنصرُ على المشركين حتى سقط رداؤه عن مَنْكِبيه، وقد رُوِي عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في صفة رفع يديه في الدُّعاء أنواعٌ متعددة...، قال: ومنها: رفع يديه، جعل كفَّيه إلى السَّماء وظهورهما إلى الأرض. وقد ورد الأمرُ بذلك في سُؤال الله عز وجل في غير حديث، وعن ابن عمر، وأبي هريرة، وابن سيرين: "أنَّ هذا هو الدُّعاء والسُّؤال لله عز وجل".

- وقال شيخ الإسلام أبو العباس بن تيمية في (الفتاوى الكبرى): "ويُسَنُّ للداعي رفع يديه والابتداء بالحمد لله والثناء عليه، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وأن يختِمَهُ بذلك كله وبالتأمين". وقال: "وأما رفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه في الدعاء: فقد جاء فيه أحاديث كثيرة صحيحة".

- وصحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يرفع يديه كُلَّمَا دَعَا؛ ففي (الصحيحين وغيرهما) عن أبي موسى الأشعري قال: "فدعا النبي صلى الله عليه وسلم بماء فتوضأ ثم رفع يديه ثم قال: اللهم اغفر لعبيد أبي عامر، حتى رأيت بياض إبطيه" الحديث.

- وفي صحيح البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما في قصة خالد لما أمر أصحابه بقتل ما بأيديهم من أسرى، وفيه: فلَمَّا أُخبر النبيُّ صلى الله عليه وسلم بذلك رفع يديه فقال: "اللهُمَّ إني أبرأ إليك مما صنع خالد" مرتين.

- وقد بَوَّبَ البُخَارِي في (صحيحه) أيضاً لهذه المسألة فقال: (باب رفع الأيدي في الدعاء)، وأشار ضمن هذه الترجمة لهذين الحديثين وغيرهما.

- وقال الإمام النَّوَوِي في (شرح مسلم): "قد ثبت رفع يديه في الدعاء في مواطن، وهي أكثر من أن تُحْصَى. قال: وقد جَمَعْتُ منها نحواً من ثلاثين حديثاً من (الصحيحين).

ومن المعلوم أن رَفْعَ اليدين في الدعاء ثابت بأحاديث بلغت مبلغ التَّواتُر المعنوي.

.. وهذا الذي قلناه إنما هو بالنسبة للدعاء مطلقاً، غير المقيد بعبادة من العبادات التي نقلت صفتها، ولم يذكر فيها رفع اليدين؛ كخطبة الجمعة؛ لأنه لم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم، ولاعن صحابته رضي الله عنهم، مع كثرة الجُمَع التي صلاها النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته.

وأخرج مسلم من حديث عمارة بن رُوَيبة: "أنه رأى بشر بن مروان يرفع يديه، فأنكر ذلك، وقال: قَبَّحَ اللهُ هاتين اليدين؛ لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يَزِيدُ على أن يقول بيده هكذا"، وأشار بإصبعه المُسَبِّحَة.

في الصحيحين من حديث أنس رضي الله عنه: "لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يرفع يديه في شيء من دعائه إلا في الاستسقاء".

ويشبه أن يكون أنس رضي الله عنه يريد في الصلاة، أو كما قال الحافظ ابن حجر: "إن المنفي صفة خاصة لا أصل الرفع...، وحاصله: أن الرفع في الاستسقاء يُخَالِفُ غيره، إما بالمبالغة إلى أن تصير اليدان في حذو الوجه -مثلاً-، وفي الدعاء إلى حذو المنكبين، ولا يُعَكِّر على ذلك أنه ثبت في كل منهما: "حتى يُرَى بياض إبطيه"، بل يجمع بأن تكون رؤية البياض في الاستسقاء أبلغ منها في غيره، وإما أن الكفين في الاستسقاء يليان الأرض وفي الدعاء يليان السماء".

وقال شيخ الإسلام في (الفتاوى): "ويُكره للإمام رفع يديه حال الدعاء في الخطبة وهو أَصَحُّ الوجهين لأصحابنا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان يشير بأصبعه إذا دعا، وأما في الاستسقاء فرفع يديه لما استسقى على المنبر"، والله أعلم.

نقلاً عن موقع الآلوكة.