حكم الاحتكار وما يتعلق به

السؤال: هل يجوز لتاجرٍ علم بغلاءِ سلعة معينة أن يشتريها ممن لا يعلم بغلائها ليربح فيها ربحاً كبيراً؟

الإجابة

الإجابة: إن ذلك إذا كان بسبب انتهاز الفرص كأن يعلم الإنسان أن بضاعة معينة قد زاد سعرها كأسعار البنزين مثلاً التي ترتفع فجأة لا يشعر الإنسان إلا وقد بلغت قمة الغلاء، فإذا علم الإنسان أنها سترتفع فوصل إلى تلك المعلومات فجاء لاشتراء الموجود في السوق منه فهذا النوع هو مما لا يجوز، لأنه يدخل في الاحتكار المذموم.

والاحتكار هو شراؤك ما يعرض في البلد من السلع لتزيد في سعره على أهل البلد.

أما المستورَد الذي أتيت به من الخارج فيجوز لك احتكاره، ويجوز لك أن تبيعه بما شئت، وكذلك المزروعات والمصنوعات التي أنتجتها أنت يجوز لك احتكارها ويجوز لك بيعها بما شئت، أما ما اشتريته من السوق في البلد فقد أصبح سلعة لأهل البلد وأصبحوا شركاء فيها، فلا يجوز لك أن تشتريها لتغلي على أهل البلد، وقد قال الشيخ محمد علي رحمة الله عليه:
بحبس ما اشتريته في البلد *** للربح الاحتكار في البيع احدد وأنت منه مطلقاً في توسعه *** في سعة وامنعه في غير السعه لا فرق في ذلك بين القوت *** وغيره في سائر الوقوت وصانع وقاطع من أرضه *** وجالب لقوته وعرضه باعوا أو امسكوا كما قد شاءوا *** وربنا يفعل ما يشاء أما الذي احتيج إلى ذات يده *** باع بسعر وقته في بلده وقل لمن أراد ترخيصاً بِع *** كما يبيع الناس أو فارتفع كما رواه مالك عن عمر *** لذاك قال بعض من تأخرَ يمنع ترخيص القليل إن أضر *** بباعة الأسواق رفعاً للضرر وصاحب البيان سام بالغلط *** من لام من سامح في البيع وحط وقال بل مشكور أو مأجور *** وإنما يزجر من يجور
يقول إن التخفيض وهو عكس هذا الذي كنا نتكلم فيه وهو احتكارٌ لزيادة السعر، أما أن يبيع الإنسان بأقل مما يبيع به أهل السوق فهذا إذا كان في الكثير فكان الإنسان قد استجلب كثيراً من البضائع وسيبيعها يبيع منها حاجة أهل السوق بأقل مما تباع به مثيلاتها في السوق فهذا جائز، أما إذا كان قليلاً لا يغطي حاجة السوق وإنما يضرب التجار الذين لديهم البضائع الكبيرة فهذا ضرر فلذلك هو ممنوع، وقد أخرج مالك في الموطأ عن عمر أنه قال: "بع كما يبيع الناس أو فارتفع عن سوقنا"، قال ذلك لحاطب بن أبي بلتعة حين كان يبيع عنباً بأقل من سعر السوق، وذكر هو عن ابن رشد رحمه الله وهو صاحب البيان أي صاحب كتاب البيان والتحصيل.

"سام بالغلط" أي ذكر أن من قال ذلك غالط، لأنه قد سامح في البيع، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "رحم الله امرأ سمحاً إذا باع، سمحاً إذا اشترى، سمحاً إذا قضى، سمحاً إذا اقتضى"، فدل ذلك على أن المسامحة والتخفيض من الأمور المأمور بها شرعاً، فلذلك لا يُلام صاحبها، قال: هو مشكور أو مأجور، مشكور إذا عمل ذلك من أجل الناس، ومأجور إن عمله لوجه الله.

قال: "إما مشكور أو مأجور وإنما يزجر من يجور"، أي الذي يجور على الناس بالغلاء والزيادة، فلذلك إذا علم الإنسان أن بضاعة ما سيرتفع سعرها فجاء إلى أهل البلد فاشتراها وأراد أن يبيعها في البلد بغلاء بالسعر الجديد فهذا لا يجوز لما فيه من الغش، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من غشنا فليس منا"، أما إذا كان هو سينقلها فيبيعها في مكان آخر غير المكان الذي اشتراها فيه فيجوز أن يشتريها برخص في ذلك المكان ليبيعها في مكان آخر بغلاء لأنه جلبها وأتى بها وتكلف فيها.

ومن هنا يعلم أن حكمة الشرع عجيبة جداً، فالشارع الحكيم كل ما فيه إنتاج ينفع الإنسان به أهل الأرض أباح الشارع فيه الربح، وكل ما ليس فيه إنتاج ضيَّق الشارع فيه باب الربح، فتجدون هذا في الصرف مثلاً فإن الشارع ضيَّق فيه الربح جداً، لا يجوز الربح في الصرف إلا إذا كان بين جنسين وكان يداً بيد، أما السلع فكل ما يستورده الإنسان وينتجه ويصنعه من السلع فيجوز له طلب الربح فيه دون تحديد، فلذلك وسعت الشريعة في كل ما فيه إنتاج ونفع للناس، وضيقت في كل ما فيه استغلال وعدم إنتاج.



نقلاً عن موقع فضيلة الشيخ الددو على شبكة الإنترنت.