الواجب صلة الأرحام وأن أساؤوا

إذا كان الطرف الآخر - سماحة الشيخ - من ذوي الأرحام مقصر بعض التقصير، أو ربما يكون معتدياً، أو ربما يكون سيئاً في التعامل، ما هو موقف الطرف الذي يُريد الإحسان؟

الإجابة

الواجب الصلة وإن أساء الطرف الثاني يقول النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: (ليس الواصل بالمكافئ ولكن الواصل إذا قطعت رحمه وصلها). خرجه البخاري في صحيحه. فالواصل في الحقيقة وعلى المعنى الأكمل هو الذي يصل رحمه وإن أساءوا وقطعوا ، ومن ذلك الحديث الآخر رجلٌ قال يا رسول الله : إن لي قرابة أصلهم ويقطعونني ، وأحسن إليهم ويسيئون إلي ، وأحلم عنهم ويجهلون علي ، فقال له عليه الصلاة والسلام: لئن كنت كما قلت لكأنما تسفهم الملّ - يعني الرماد الحامي - ولا يزال معك من الله ظهير ما دمت على ذلك) . يعني : (ظهير) عوين عليهم ما دمت على هذه الصلة والإحسان. فالمؤمن يصل أرحامه وإن أساءوا ، ويطلب الأجر من الله - عز وجل -، ولا ريب أن الإحسان من أعظم الأسباب في رجوعهم إلى الصواب ، وتركهم العداء ، والأذى؛ لأن الإحسان يغير القلوب ، والنفوس مجبولة على حب من أحسن إليها ، فينبغي للمؤمن أن لا ييئس ، وينبغي له أن يفعل المعروف ، أما إذا كان القريب عنده معاصي ، عنده سيئات ، فهذا له حال أخرى ، فإذا كان فقيراً فبالإمكان صلته والإحسان إليه مع نصيحته على ما هو فيه من الباطل ، وإنكار المنكر عليه ، بالحكمة والكلام الطيب ، والاستعانة في ذلك بأقاربه وأحبابه ، ومن يعزون عليه ، حتى يتعاونون جميعاً على إصلاحه ، وعلى توجيهه إلى الخير ، ولا ينبغي أن تقطع عنه الصلة بسبب معاصيه أو كفره ، الله - جل وعلا - يقول سبحانه في كتابه العظيم: لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ. فالكفار إذا كانوا ليسو حرباً لنا بل بيننا وبينهم صلة من عهد أو ذمة أو أمان وهم فقراء لا مانع من صلتهم والإحسان إليهم بنص هذه الآية. وفي الصحيحين أن أسماء بنت أبي بكر الصديق - رضي الله عنهما - وفدت إليها أمها في وقت الهدنة التي بين الرسول - صلى الله عليه وسلم - وبين أهل مكة فقالت: يا رسول الله إن أمي وفدت إلي وهي راغبة - يعني في الصلة بالمواساة والإحسان - أفأصلها يا رسول الله؟ فقال عليه الصلاة والسلام: (صليها). فأمرها أن تصلها وهي مشركة ؛ لأنها ليست في حال حرب معنا ، بل في حال هدنة وصلح ، فهكذا المؤمن مع أقاربه العصاة ، ومع أقاربه الكفرة إذا كان الحال ليست حال حرب مع الكفرة بل حال هدنة أو ذمة وهم فقراء يحسن إليهم ، ويجود عليهم ، ويتألفهم لعل الله يهديهم بأسبابه. وهكذا العصاة إلى أحسن إليهم وواساهم إذا كانوا فقراء ، أو شفع لهم فيما ينفعهم ، كل ذلك من أسباب هدايتهم ، ومن أسباب رجوعهم عما هم عليه من الباطل ، فالإحسان لا يأتي إلا بالخير ، ولا مانع من هجرهم إذا رأى أن الهجر فيه مصلحة يهجرهم إذا رأى أن الهجر فيه مصلحة ، والمساعدة إذا كانوا فقراء ومحاويج ، يهجرهم رجاء الهداية ، وإذا كان يرى أن هجرهم قد يزيدهم شراً لم يهجرهم بل يصلهم بالكلام والزيارة لدعوتهم إلى الله لا لاتخاذهم أصحاباً وأصدقاء ، بل لدعوتهم وتوجيههم وتعليمهم ، والمبالغة في نصيحتهم لعلهم يهتدون. فالمقصود أن الهجر نوع من التأديب والاستصلاح ، فإذا كان الهجر يحصل به المقصود من الإصلاح والتوجيه والإقلاع من المنكر فُعِل؛ كما فعله النبي - صلى الله عليه وسلم - مع كعب بن مالك وصاحبيه لما تخلفوا عن غزوة تبوك بغير عذر ، هجرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - والمسلمون خمسين ليلة حتى تابوا فتاب الله عليهم. أما إن كان الهجر قد يزيد شراً ، وقد يترتب عليه ما لا يحمد عقباه ، فإن المؤمن يرعى المصلحة ، ويرعى النتيجة الصالحة ، والقواعد الشرعية ولا يهجر ، ولكن يواصل النصيحة ، ويواصل أسباب الهداية لعله ينجح ؛ كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - مع عبدالله بن أبي بن سلول وغيرهم ممن اتهم بالنفاق لم يزل يرفق بهم ، ويدعوهم إلى الله ويرشدهم لما في ذلك من المصلحة ؛ ولأن هجرهم قد يفضي إلى ما لا تحمد عقباه ، فلهذا لم يهجرهم - عليه الصلاة والسلام -، فهكذا المؤمنون بعد الرسول - صلى الله عليه وسلم – يسلكون هذا المسلك ، ويتوخون المصلحة في الهجر وعدمه ، ليست المصلحة الدنيوية ، أو مصلحة القرابة ، بل المصلحة الإسلامية ، المصلحة الشرعية ، فحيث رأى أن الهجر فيه مصلحة هجر ، وحيث رأى أن المواصلة للدعوة والتوجيه والإرشاد والتنبيه والاتصال بصاحب المعصية أو البدعة أنفع اتصل ، ونصح ولم يهجر ، يرجوا ما عند الله من المثوبة ، ويرجوا العاقبة الحميدة هذا هو معنى ما قرره المحققون من أهل العلم كأبي العباس ابن تيمية وغيرهم من أهل العلم - رحمة الله عليهم -. جزاكم الله خيراً. المقدم: شيخ عبد العزيز قد يناقش بعض المستمعين فيقول إنه من الصعب على الإنسان أن يحسن إلى من أساء إليه ، وقد تفضلتم جزاكم الله خيراً وبينتم أن وراء ذلك دوافع كثيرة حبذا لو تفضلتم بالزيادة على ما تفضلتم به؟ الشيخ: لابد من الصبر ، فالنفوس لاشك أنه يشق عليها أن تحسن إلى من أساء ، ولكن مثلما قال الله – سبحانه -: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ فلابد من الصبر ؛ لأن النفوس مجبولة على كراهة من أساء إليها ، والنفرة منه ، وعدم الإحسان إليه ، بل على حب الانتقام ، ولكن إذا راعى المؤمن عواقب الصبر ، وفائدة الصبر ، وفائدة المقابلة على الإساءة بالإحسان ، وما جاء فيها من الشرع المطهر من الخير والوعد الحسن إذا تأمل المؤمن هذه الأمور صبر على الأذى وصبر على الإحسان لمن آذاه وأساء إليه عملاً بالأوامر الشرعية ورجاء حسن العاقبة فهكذا المؤمن. جزاكم الله خيراً ونفع بكم.