الكلام على خوارق العادات

السؤال: ما يظهر من الخوارق على يد الولي وما يظهر على يد الساحر، ما الفرق بينهما؟

الإجابة

الإجابة: إن أهل العلم ذكروا أن خوارق العادات سبعة أقسام، أربعٌ منها للخير وثلاثٌ للشر:

فالأربع التي للخير هي أولاً: الإرهاصات التي تظهر عند ميلاد الأنبياء وفي صباهم، كتصدع إيوان كسرى، وخمود نار الفرس، وما شاهدته حليمة من الخوارق في صبا النبي صلى الله عليه وسلم، وشق صدره، ونحوه فهذه أمور ليست من المعجزات، ولكنها من الإرهاصات فهي تدل على بعثته، فهو إذ ذاك لم يبعث بعد، وإنما بُعث على رأس أربعين سنة.

والنوع الثاني: هو المعجزات، وهي ما يظهر على يد الأنبياء عند التحدي عند تبليغ رسالات ربهم، كنزول الوحي، وكالمعراج والإسراء، وشق القمر ونحو ذلك، وكناقة صالح، وعصا موسى فهذا هو المعجزة وهي مختصة بالأنبياء.

القسم الثالث: ما يسمى بكرامات الأولياء، وهو ما يُكرم الله به من كان من أهل الطاعة والتقوى والإيمان مما يعينه على الطاعة، كقوة البدن بحيث يستطيع الإنسان الدوام على الوضوء والغسل، فهذا كرامة يكرم الله بها أولياءه، ومثل ذلك الحفاظ على الصف الأول أو على إجابة المنادي أو على الصلاة في الجماعة، أو على ختم القرآن في كل يوم وليلة مثلاً، أو الحفاظ على قيام الليل في طيلة السنة، فهذا كرامة يكرم الله بها من شاء من أوليائه وهي خارقة لعادة جمهور الناس، فهذا النوع يسمى الكرامات، وأغلبها لا يتجه إلى الدنيا إنما يتجه إلى أمور الآخرة، فالكرامات في أغلبها لا تتجه إلى أمور الدنيا كأن يجد الإنسان نقوداً أو سيارةً أو هاتفاً أو نحو ذلك فهذه أمور دنيوية تافهة، وإكرام الله تعالى للعباد يتعلق بأمور أكبر من هذا كإكرامه لأوليائه بما يعينهم على عبادته وطاعته وما يزيدهم إيماناً وخشية وتقوى.

النوع الرابع: هو ما يسمى بالعون، وهو ما يناله أواسط المسلمين ممن ليس مشهوراً بالطاعة ولا بالعبادة، فيقيض الله له أمراً خارقاً للعادة بسبب إيمانه، كمن نفرت منه راحلته بخلاء من الأرض فأمسكتها عليه شجرة، فهذا النوع مما يعين على أمور الدنيا ليس داخلاً في نطاق الكرامة، ولكنه من العون يعين الله بها عباده، فيقيض لهم ما يعينهم على أمور دنياهم مما هو خارق للعادة.

هذه الأربع للخير، أما الثلاث التي للشر فهي:

أولاً: ما يسمى بالإهانة، وهو ما يظهر من الخوارق على يد مدعي الرسالة الكاذب على خلاف دعواه، فمسيلمة الكذاب سمع أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على رأس صبي فلم يشب، بقي شعره أسود إلى أن مات وهو شيخ كبير، فمسح هو على رأس صبي فقرع، وسمع أن النبي صلى الله عليه وسلم بصق في بير كانت ملحاً فصارت عذباً، فبصق هو في بير فيبست، فهذا النوع يسمى إهانة هو خارق للعادة فعلاً، هذا خارق للعادة لكنه إهانة لأنه ليس على الوجه المطلوب وهو خلاف الوجه الذي يطلبه الإنسان.

النوع الثاني من هذه الخوارق التي هي للشر: السحر، والسحر هو ما سبق تعريفه بقسميه، ما كان منه تخييلاً وما كان تأثيراً، فهذا يحصل به خرق للعادة، وهو للشر فهو كفر بصاحبه.

والنوع الثالث من الخوارق التي هي للشر: ما كان مما يسمى بالكهانة ومخالطة الجن، فالجن يخرقون العادة للإنسان فيسمعون الكلمة الواحدة من الغيب فيضيفون إليها تسعاً وتسعين كذبة، فيأتونه بمائة كلمة فيها كلمة واحدة صدق وتسعة وتسعون كذبة، فيخبر هو بما أخبروه به، فتارة يأتيه صادق وتارة يأتيه كاذب، كما قال صاف بن صياد لرسول الله صلى الله عليه وسلم عندما سأله كما في الصحيح، قال: "ماذا يأتيك يا صاف؟" قال: يأتيني صادق وكاذب، قال: "اخسأ فلن تعدو قدرك"، فعرف النبي صلى الله عليه وسلم أنما يأتيه هو من الشيطان لأن ما كان من عند الله لا يكون فيه كاذب، لا بد أن يكون صادقاً، فقال: يأتيني صادق وكاذب فقال: "اخسأ فلن تعدو قدرك".

فإذن هذه هي خوارق العادة وأقسامها واضحة والتمييز بينها بين، وإنما يشكل على بعض الناس ما يحصل لبعض الأولياء من الإخبار ببعض المغيبات وهم أهل استقامة وصلاح، وتارة يصدقون في ذلك وتارة يكذبون، والجواب عن هذا أنه يجب عليهم أن لا يخبروا بما اطلعوا عليه من ذلك، ويحرم عليهم الإخبار به، وإذا أخبروا ببعضه فكان صادقاً فعلى أهل الإيمان أن لا يغتروا به وأن يعلموا أن هذا يحصل للصالح والطالح ويحصل للمؤمن وغيره، ولذلك سئل الإمام الجنيد رحمه الله فقيل له: "الولي هو الذي يطير في الهواء؟" قال: "الغراب يطير في الهواء وينقر الدبر"، قيل له: "أهو الذي يمشي على الماء؟" قال: "الحوت يمشي على الماء وتؤكل ميتته"، قيل: "أهو الذي يجمع بين المشرق والمغرب في آن واحد؟" قال: "إبليس يجمع بين المشرق والمغرب في آن واحد، وهو أخس خلق الله"، قيل: "فما الولي إذن؟" قال: "من استقام حاله على وفق ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من عند الله تعالى" فهذا هو الولي وهذه هي الولاية التي يحرص عليها هي ولاية الله.



نقلاً عن موقع فضيلة الشيخ الددو على شبكة الإنترنت.