الجمع بين (فبما كسبت أيديكم) وبين (قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا

يقول الله تعالى: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ[الشورى:30]، ويقول: قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا[التوبة:51]، فما معنى الآيتين، وكيف نجمع بينهما، علماً أن ظاهرهما التعارض؟

الإجابة

ليس هناك تعارض يا أخي، فالله -تعالى- بين لنا أن ما أصابنا هو بأسباب كسبنا، وبين أن ما يقع فهو بقضاءه وقدره قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا، فقد سبق علمه وقدره بكل شيء، ولكنه سبحانه علق ما أصابنا مما يضرنا أنه بأسباب معاصينا وإن كانت مكتوبة مقدرة، لكن لنا كسب ولنا عمل ولنا اختيار، فكل شيء يقع بقدر من الطاعات والمعاصي، فما وقع منا من معاصي فهو معثور من كسبنا وعملنا، ونحن مؤاخذون به، إذا فعلنا وعندنا عقولنا، نحن مؤاخذون به، ولهذا قال -سبحانه-: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ[الشورى: 30]، والآية الأخرى: مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ[النساء: 79] فلا تنافي بين القدر وبين العمل، فالقدر سابق ولله الحجة البالغة -سبحانه وتعالى-، والأعمال أعمالنا: كالزنا، وشرب الخمر، وترك الصلاة، والعقوق، وقطيعة الرحم من أعمالنا، ونحن نستحق عليها العقوبة بسبب تفريطنا وتقصيرنا؛ لأن لنا اختياراً ولنا عملاً ينسب إلينا، وإن كان سبق في علم الله كتابته وتقديره، فالقدر ليس حجة على فعل المعايب والمنكرات، والله له -سبحانه وتعالى- الحكمة البالغة فيما مضى فيه قدره وعلمه وكتابته، ونحن المسئولون عن أعمالنا وأخطائنا وتقصيرنا، ومؤاخذون بذلك، إلا أن يعفو ربنا عنا، ولهذا تعلم أنه لا منافاة بين الآيتين، فإحداهما تدل على أن أعمالنا من كسبنا، وأنا نستحق عليها العقوبة، وهي أعمال لنا باختيارنا، والآية الأخرى تدل على أنه قد مضى في علم الله كتابتها وتقديرها، وقد صح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إنه قال: (إن الله قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وعرشه على الماء)، فهو سبحانه الحكيم العليم، العالم بكل شيء، الذي سبق علمه بكل شيء -سبحانه وتعالى-، وكتب كل شيء، وفي آية أخرى يقول -سبحانه وتعالى-: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ[الحديد: 22]، فكتاب الله سابق، وعلمه سابق -سبحانه وتعالى-، وقدره سابق، وأعمالنا محصاة علينا، ومنسوبة إلينا، ومكتوبة علينا، وهي من كسبنا وعملنا واختيارنا، فنجزي على الطيب الجزاء الحسن من الطاعات وأنواع الخير والذكر، ونستحق العقاب على سيئها من العقوق والزنا والسرقة وسائر المعاصي والمخالفات. والله المستعان.