خصائص صلاة الجمعة ويوم الجمعة

السؤال: خصائص صلاة الجمعة ويوم الجمعة

الإجابة

الإجابة: قال فضيلة الشيخ أعلى الله درجته في المهديين:

إن الحمد لله نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:

فيوم الجمعة هذا اليوم العظيم، يومٌ جعله الله عيداً للأسبوع، وما طلعت الشمس ولا غربت على يوم أفضل من يوم الجمعة باعتبار أيام الأسبوع، وخير يوم طلعت عليه الشمس يوم عرفة باعتبار أيام السنة، هذا اليوم يوم العيد منّ الله به على هذه الأمة، وأضلّ عنه اليهود والنصارى، فصار لليهود يوم السبت، وصار للنصارى يوم الأحد، وضلوا عن يوم الجمعة الذي فيه ختم الله خلق السموات والأرض؛ لأن الله تعالى خلقها في ستة أيام، وآخرها الجمعة، وفيه ابتداء خلق الله لآدم، وفيه أخرج من الجنة وأهبط إلى الأرض، فيكون مبدأ خلق البشر يوم الجمعة، وفيه تقوم الساعة فيكون منتهى الخلق أيضاً يوم الجمعة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه أدخل الجنة، وفيه أخرج منها، ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة"، فهو يوم عظيم ولهذا اختص بأحكام نذكر منها ما تيسر فمن ذلك:

أنه اختص بفرضِ صلاة الجمعة، هذه الصلاة العظيمة التي لابد من الجماعة فيها، ولو قدر أن الإنسان صلى وحده يوم جمعة، وقال: أريد أن تكون جمعة، قلنا له: إن صلاتك غير صحيحة، ويجب عليك أن تعيد، فهذه الصلاة لابد فيها من جمع ثلاثة فأكثر، وغيرها من الصلاة تنعقد باثنين بإمام ومأموم، أما الجمعة فلابد فيها من جمع ثلاثة فأكثر، واختلف العلماء في العدد الذي لابد منه في صلاة الجمعة:

فمنهم من قال: أربعون رجلاً، فلو كان هناك قرية صغيرة ليس فيها إلا ثلاثون رجلاً فإنهم لا يقيمون الجمعة؛ لأنه لابد أن يكون العدد أربعين.

وقال بعض العلماء: يكفي اثنا عشر رجلاً؛ لأن الصحابة الذين انفضوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأوا التجارة لم يبق منهم إلا اثنا عشر رجلاً، فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب قائماً يوم الجمعة، فجاءت عير من الشام فانفتل الناس إليها حتى لم يبق إلا اثنا عشر رجلاً، فنزلت هذه الآية التي في الجمعة: {وإذا رأوا تجٰرةً أو لهواً انفضّوۤا إليها وتركوك قآئماً قل ما عند اللّه خيرٌ من اللّهو ومن التجٰرة واللّه خير الرّٰزقين}، وهذا يدل على أن اثني عشر رجلاً يكفي في عدد الجمعة.

ومنهم من قال: يكفي في عدد الجمعة ثلاثة، فلو فرض أن قرية ليس فيها سوى ثلاثة نفر فإنها تقام الجمعة؛ لأنه يحصل بهم الجمع: إمام يخطب، ومؤذن يدعو، ومأموم يجيب، وقد قال الله تعالى: {يٰأيّها الّذين ءامنوۤا إذا نودى للصّلوٰة من يوم الجمعة فاسعوا إلىٰ ذكر اللّه وذروا البيع ذلكم خيرٌ لّكم إن كنتم تعلمون}، المنادي المؤذن، ولابد من خطيب، ولابد من مدعو: {يٰأيّها الّذين ءامنوۤا إذا نودى للصّلوٰة من يوم الجمعة فاسعوا إلىٰ ذكر اللّه وذروا البيع ذلكم خيرٌ لّكم إن كنتم تعلمون}، وهذا القول أرجح الأقوال، أنه يكفي في عدد الجمعة ثلاثة: إمام يخطب، ومؤذن يدعو، ومأموم يجيب.

ولو صلى الإنسان غير الجمعة كالظهر مثلاً صلى وحده تجزئه الصلاة وتبرأ بها ذمته، لكن إن كان ممن تجب عليه الجماعة كان آثماً، وإن كان ممن لا تجب عليه الجماعة كان غير آثم.

ومن خصائص هذه الصلاة العظيمة: أنها لا تصح إلا في الوقت، ولهذا قال العلماء: "من شروط صحة الجمعة الوقت"، وفي غيرها قالوا: "من شروط الصلاة دخول الوقت"، وحينئذ نسأل ما الفرق بين قولنا: "من شروط صحة الصلاة الوقت" وبين قولنا: "من شروط صحة الصلاة دخول الوقت"؟

الفرق هو أننا إذا قلنا: "من شروط صحة الصلاة الوقت" أنها لا تصح لا قبله ولا بعده، وإذا قلنا: "من شروط صحة الصلاة دخول الوقت" لم تصح قبله وصحت بعده.

ولكن هل تصح الصلاة بعد الوقت لمن أخرها عمداً أو لا؟

لا تصح.

ومن أخّرها نوماً أو نسياناً تصح، والصلاة التي غير الجمعة لو أن الإنسان نام ولم يستيقظ وليس عنده من يوقظه فلم ينتبه إلا حين خرج الوقت فإنها تصح، يصليها وصلاته صحيحة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها" هذا للنسيان، وإذا استيقظ فهذا في حال اليقظة، ولهذا لما نام النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه عن صلاة الفجر وهم في سفر فلم يستيقظوا إلا عند طلوع الشمس صلاها ولم يدعها، لكن لو أخر الصلاة عمداً عن وقتها بلا عذر شرعي فلا تصح الصلاة، والدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد"، ومؤخر الصلاة عن وقتها بلا عذر عمل عملاً ليس عليه أمر الله ولا رسوله، فيكون عمله مردوداً.

وكذلك يمكن أن يستدل بقول الله تعالى: {ومن يتعدّ حدود اللّه فأولٰئك هم الظّٰلمون}، والمخرج للصلاة عن وقتها بلا عذر متعد لحدود الله فيكون ظالماً، والظالم لا يقبل منه: {إنّه لا يفلح الظّٰلمون}.

ومن خصائص الجمعة أنها لا تكون إلا في الأوطان، في المدن والقرى، وغير الجمعة تقام في أي مكان، والدليل على هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسافر الأسفار الطويلة وتمر به الجمعة ولم يكن يقيمها في السفر، ولو كانت واجبة على المسافر لأقامها النبي صلى الله عليه وسلم، وأعجب أن يوم عرفة في حجة الوداع وافق يوم الجمعة ولم يصلّ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم الجمعة كما في حديث جابر الطويل الذي رواه مسلم، أن النبي صلى الله عليه وسلم نزل في الوادي فخطب الناس خطبة معروفة بليغة، ثم أمر بلالاً فأذن، ثم أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر، هكذا قال جابر رضي الله عنه، ولقد ضلَّ من قال: إن الجمعة تقام في السفر، وخرج عن هدي النبي صلى الله عليه وسلم، وعليه إذا فعل أن يعيدها إذا كان يريد إبراء ذمته وإقامة حجته عند الله عز وجل؛ لأن هذا ليس موضع اجتهاد حتى يقال: لا إنكار في مسائل الاجتهاد، هذا السنة فيه واضحة أجلى من النهار في ارتفاع الشمس، ولا عذر لأحد أن يقيم صلاة الجمعة في السفر إطلاقاً، لكن لو صادف أنك في بلدٍ نازلٌ تريد أن تواصل السفر في آخر النهار وجب عليك أن تصلي مع المسلمين لأن الله يقول: {يٰأيّها الّذين ءامنوۤا إذا نودى للصّلوٰة من يوم الجمعة فاسعوا إلىٰ ذكر اللّه وذروا البيع ذلكم خيرٌ لّكم إن كنتم تعلمون}، والمسافر من المؤمنين فيشمله الخطاب.

ومن خصائص هذه الصلاة أنه لا يجمع إليها ما بعدها والذي بعدها هو العصر، فلا تجمع صلاة العصر إلى صلاة الجمعة، فلو أن إنسان كان مسافراً نازلاً في بلد ويريد أن يواصل السير بعد صلاة الجمعة وصلى مع الناس صلاة الجمعة فإنه لا يضم إليها العصر؛ لأن السنة إنما وردت في الجمع بين الظهر والعصر، وصلاة الجمعة ليست صلاة ظهر بالاتفاق، فلا أحد يقول: إن صلاة الجمعة صلاة ظهر، وعلى هذا فنقول: واصل السفر، وإذا دخل وقت العصر وأنت في السفر فصلِّ حيثما أدركتك الصلاة.

ومن خصائص هذه الصلاة العظيمة أن القراءة فيها جهر وغيرها سر، إلا ما كان مثلها في جمع الناس فيكون جهراً، ولهذا نرى أن صلاة العيدين القراءة فيها جهر، وصلاة الكسوف جهر حتى في النهار، وصلاة الاستسقاء جهر؛ لأن الناس مجتمعون فهذا الاجتماع الموحد جعل القراءة في الصلاة جهراً ولو كانت نهارية.

إذن القراءة في صلاة الجمعة جهر بخلاف الظهر؛ وذلك من أجل أن يجتمع هذا الجمع الكبير على قراءة واحدة وهي قراءة الإمام.

ومن خصائص صلاة الجمعة أنها تصادف ساعة الإجابة التي قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله شيئاً إلا أعطاه إياه"، وهذه نعمة عظيمة، هذه ليست موجودة في صلاة الظهر مثلاً لكنها في صلاة الجمعة.

وأرجى ساعات الجمعة في الإجابة هي وقت الصلاة لما يأتي:

أولاً: لأن ذلك جاء في صحيح مسلم من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.

وثانياً: أن هذا اجتماع من المسلمين على عبادة واحدة، بقيادة واحدة بإمام واحد، وهذا الاجتماع يكون أقرب إلى الإجابة، ولهذا في يوم عرفة حين يجتمع المسلمون على صعيد عرفة يدنو جل وعلا ثم يباهي بهم الملائكة، ويجيب دعائهم.

لذلك احرص على الدعاء في هذا الوقت وقت صلاة الجمعة.

لكن متى تبتدئ هذه الساعة ومتى تخرج؟ تبتدئ من دخول الإمام إلى أن تنقضي الصلاة، فلننظر الآن متى ندعو: إذا دخل الإمام وسلم، وبعد ذلك شرع المؤذن بالآذان، والآذان ليس فيه دعاء بل فيه إجابة للمؤذن، وبعد الأذان فيه دعاء أي بين الأذان والخطبة فيه دعاء، تقول بعد الأذان: "اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة، آت محمد الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته"، "إنك لا تخلف الميعاد". هذا يقال بعد متابعة المؤذن ثم تدعو بما شئت ما دام الخطيب لم يشرع بالخطبة، كذلك أيضاً بين الخطبتين، تدعو الله بما شئت من خيري الدنيا والآخرة، كذلك في أثناء الصلاة في السجود دعاء وأقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، كما ثبت ذلك عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وذلك لأن هيئة السجود أكمل ذل للإنسان، وأن أشرف عضو وهو الوجه يوضع في السجود على الأرض وهو موطئ الأقدام، فرأسك وجبهتك يساوي أصابع رجليك، بهذا الذل العظيم صار الإنسان أقرب ما يكون من ربه جل وعلا، لأن من تواضع لله رفعه، أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فاستغل هذه الفرصة وأكثر من الدعاء من خيري الدنيا والآخرة، فلو قال أحدكم في دعائه: "اللهم ارزقني سيارة جميلة"، فهذا يصلح، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "ليسأل أحدكم ربه حتى شراك نعله"، ثم إن الدعاء عبادة فإذا دعوت الله بأي غرض لو قال الطالب وهو في أيام الامتحان: "اللهم ارزقني نجاحاً إلى درجة الممتاز" فهذا يصلح، لأنه دعاء لله تخاطب الله، والممنوع مخاطبة الآدميين لكن مخاطبة الله بالدعاء ليست ممنوعة.

وهناك محل دعاء آخر في الصلاة بعد التشهد كما في حديث ابن مسعود حين ذكر النبي صلى الله عليه وسلم التشهد ثم قال بعده: "ثم ليتخير من المسألة ما شاء"، وكلمة: "ما شاء" عند علماء الأصول تفيد العموم.

ودليل ذلك: {والّذى جآء بالصدق وصدّق به أولٰئك هم المتّقون}، {أولئك هم} هذه جماعة، {والذي} مفرد، والذي أوجب الإخبار عن المفرد بالجماعة هو أن اسم الموصول يفيد العموم، ومثل ذلك اسم الشرط يفيد العموم، والدليل على هذا قوله تعالى: {فمن يعمل مثقال ذرّةٍ خيراً يره * ومن يعمل مثقال ذرّةٍ شرّاً يره}، فهذه تفيد العموم، والدليل على ذلك لما ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم الخيل وأثنى عليها وما فيها من الأجر، قالوا: يا رسول الله: فالحمر، قال: "لم ينزل علي فيها إلا هذه الآية الشاذة والفاذة: {فمن يعمل مثقال ذرّةٍ خيراً يره * ومن يعمل مثقال ذرّةٍ شرّاً يره}"، وهذه تعم كل شيء.

إذن الاسم الموصول يفيد العموم، فقول الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث ابن مسعود: "ثم ليتخير من الدعاء ما شاء" يفيد أي دعاء.

وأما قول بعض الفقهاء: إنه لا يجوز للإنسان في دعائه شيء من ملاذ الدنيا. فإنه قول ضعيف يخالف الحديث.

فصار عندنا الآن في ساعة الإجابة وقت صلاة الجمعة عدة مواطن للدعاء فانتهز الفرصة بالدعاء في صلاة الجمعة لعلك تصادف ساعة الإجابة.

القول الثاني: أن الساعة التي ترجى فيها الإجابة هي ما بعد العصر إلى أن تغرب الشمس، لكن هذا القول أشكل على بعض العلماء، وقال إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "وهو قائم يصلي"، وبعد العصر ليس فيه صلاة، وأجاب عنه العلماء فقالوا: إن منتظر الصلاة في حكم المصلي، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ولا يزال أحدكم في صلاة ما انتظر الصلاة".

ومن خصائص هذه الصلاة أنه يجب الغسل لها كما يغتسل الإنسان للجنابة وجوباً، في الشتاء وفي الصيف، والدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم: "غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم"، والذي قال إنه واجب الرسول عليه الصلاة والسلام، وهو أعلم الخلق بشرع الله، ولا يمكن أن يطلق على شيء مستحب أنه واجب، فهو أعلم الخلق بشريعة الله، وهو أفصح الخلق بما ينطق به، وهو أنصح الخلق للخلق، وهو أصدق الخلق خبراً، فهو يقول: "غسل الجمعة واجب" ثم قرن الوجوب بما يقتضي التكليف: "على كل محتلم" لأن المحتلم هو الذي تجب عليه الواجبات، والمحتلم ليس هو الذي يحتلم بالفعل، فالمحتلم بالفعل يجب عليه الغسل ولو في غير يوم الجمعة، ولكن غسل الجمعة واجب على كل محتلم، أي: بالغ.

وأظن أننا لو قرأنا هذه العبارة في مصنف من مصنفات الفقه لم يبق عندنا شك بأن المؤلف يرى الوجوب، فكيف والناطق به الرسول عليه الصلاة والسلام؟! ثم إن في الغسل فائدة للبدن تنشيطاً وتنظيفاً، ويدل للوجوب ما جرى بين عمر وعثمان رضي الله عنهما كان عمر رضي الله عنه يخطب الناس فدخل عثمان رضي الله عنه في أثناء الخطبة، فكأن عمر رضي الله عنه لامه على تأخره قال: والله يا أمير المؤمنين ما زدت على أن سمعت الأذان فتوضأت ثم أتيت، فقال له عمر رضي الله عنه أمام الناس وهو يخطب: "والوضوء أيضاً؟!!!" يعني تقتصر على الوضوء وتأتي متأخراً؟ وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا جاء أحدكم إلى الجمعة فليغتسل"، فكلّمه بنوعٍ من التوبيخ، واستدل لذلك بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "إذا أتى أحدكم الجمعة فليغتسل".

وكذلك من خصائص هذه الصلاة العظيمة: أنه ليس لها راتبة قبلها؛ لأن المؤذن إذا أذن فالخطيب حاضر سوف يبدأ بالخطبة وإنشاء التطوع في الخطبة حرام، ولو فعل لكان آثماً والصلاة غير مقبولة، إلا فيمن دخل والخطيب يخطب فإنه لا يجلس حتى يصلي ركعتين، لما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رجلاً دخل يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب فجلس فقال: "أصليت؟" قال: لا، قال: "قم فصل ركعتين وتجوّز فيهما"، فالجمعة ليس لها راتبة قبلها، ولكن إذا جاء قبل الأذان الثاني فليتطوع بما شاء، ولها راتبة بعدها، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه يصلى بعدها ركعتين وقال: "إذا صلى أحدكم الجمعة فليصل بعدها أربعاً"، فعندنا الآن سنة قولية وسنة فعلية، القولية أربع ركعات، والفعلية ركعتان، فكيف نجمع بينهما؟ هل نأخذ بالسنة الفعلية، أو السنة القولية، أو نأخذ بهما جميعاً، أو نُفصِّل؟

* الاحتمالات الآن أربع: هل نأخذ بالسنة القولية فنقول: سنة الجمعة أربع ركعات، أو بالسنة الفعلية فنقول: سنة الجمعة ركعتان أو نجمع بينهما فتكون السنة ست ركعات، أو نفصل؟

- من العلماء من قال: السنة ركعتان في البيت؛ لأن هذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم وقد قال الله تعالى: {لّقد كان لكم فى رسول اللّه أسوةٌ حسنةٌ لمن كان يرجو اللّه واليوم الأخر وذكر اللّه كثيراً}.

- ومن العلماء من قال: السنة أربع سواء صلاها في البيت أو في المسجد، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا صلى أحدكم الجمعة فليصل بعدها أربعاً"، وقوله مقدم على فعله عند التعارض.

- ومنهم من قال: الاحتياط أن يأتي بالسنة القولية والفعلية فيصلي ستّاً.

. أما شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى ففصّل، قال: إن صلى في بيته فالسنة ركعتان فقط؛ لأن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يزد على ركعتين في بيته، وإن صلى في المسجد فأربعاً، وهذا تفصيل لا بأس به.

إذن تختص الجمعة أو تفارق الظهر بأنه ليس لها راتبة قبلها، وراتبتها بعدها ركعتان.

أما يوم الجمعة فله خصائص:

منها: أنه يسن للإنسان أن يقرأ فيه سورة الكهف كاملة وليس في فجر يوم الجمعة كما يفعله بعض الأئمة الجهال، بل في غير الصلاة، لأن فجر يوم الجمعة يقرأ فيه بسورتين معروفتين: سورة السجدة، وسورة الإنسان، لكن الكهف يقرأها في غير الصلاة، ويجوز أن يقرأها بعد صلاة الجمعة، أو قبلها فإنه يحصل الأجر، بخلاف الاغتسال فإنه لابد أن يكون قبل الصلاة.

ومنها: أنه يقرأ في فجره: {ألم * تنزيل} السجدة في الركعة الأولى، وفي الركعة الثانية: {هل أتى على الإنسان}، اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم.

- وما يفعله بعض الجهال من الأئمة حيث يقسم: {ألم * تنزيل} السجدة بين الركعتين، أو يقتصر على نصفها ويقرأ نصف: {هل أتى}، فهو خطأ، ونقول لهذا: إما أن تقرأ بالسورتين كاملتين، وإما أن تقرأ بسورة أخرى لئلا تخالف السنة؛ لأن هناك فرق بين من يقرأ بسورتين أخريين، فيقال: هذا فاتته السنة، لكن من قرأ بسورة: {ألم * تنزيل} السجدة وقسمها بين الركعتين، أو قرأ نصفها ونصف: {هل أتى} فهذا خالف السنة، وفرق بين المخالفة، وبين عدم فعل السنة لأن الأول أشد.

ومن خصائص يوم الجمعة: إنه ينبغي فيه إكثار الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم لأنه أعظم الخلق حقّاً عليك، أعظم حقّاً من أمك وأبيك، ويجب أن تفديه بنفسك ومالك، فأكثر من الصلاة عليه يوم الجمعة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بذلك.

ومن خصائص هذا اليوم: إنه لا يصام وحده إلا من صادف عادة فصامه، فلا يمكن أن تفرد يوم الجمعة بصوم، فإما أن تصوم يوم الخميس معه، وإما أن تصوم يوم السبت، إلا من كان يصوم يوماً ويفطر يوماً فصادف يوم الجمعة يوم صومه فلا بأس أن يصوم ولا حرج، وكذلك لو كان يوم الجمعة يوم عرفة صم ولا حرج، وكذلك لو صادف يوم الجمعة يوم عاشوراء صم ولا حرج ولكن يوم عاشوراء يختص بصوم يوم قبله، أو يوم بعده مخالفة لليهود، أما يوم السبت فصومه جائز لمن أضاف إليه الجمعة، وأما بدون الجمعة فلا تصم يوم السبت لا تفرده ما لم يصادف عادة أو يوماً مشروعاً صومه كيوم عرفة، أو يوم عاشوراء.

ومن خصائص هذا اليوم: إنه عند بعض العلماء تسن فيه زيارة القبور، لكن هذا ليس بصحيح فإن زيارة القبور مشروعة كل وقت في الليل وفي النهار في الجمعة في الاثنين والثلاثاء والأربعاء في أي وقت تسن أن تزور المقابر، وقد ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه زار البقيع ليلاً، ولا يختص بيوم الجمعة وزيارة القبور لها فائدة عظيمة فإنها تذكر الآخرة، وتذكر الموت، والمقصود بزيارة القبور تذكر الإنسان لحاله أنه الآن على ظهر الأرض يتمكن من الأعمال الصالحة وغداً من أهل باطن الأرض الذين لا يتمكنون من العمل الصالح.

هذا ما تيسر من خصائص صلاة الجمعة ويوم الجمعة.

. بقي هناك مسألة مهمة عظيمة وهي: السلام، سلام الناس بعضهم على بعض أهو سنة، أم حرام، أم مكروه؟

السلام سنة، لكن العجب أنك الآن تسلم على بعض الناس خارجاً من المسجد أو داخلاً فيه ويستنكر كأنه لم يشرع السلام بين المسلمين، وكأنه في غير بلاد المسلمين، مع أن السلام له فضائل عظيمة منها:

أنه سبب لدخول الجنة، ودليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا"، ليس فيه إيمان كامل إلا إذا تحاب المؤمنون وأحب بعضهم بعضاً؛ لأنه بدون المحبة لا يمكن أن تجتمع القلوب، لابد من المحبة حتى ولو حصل بينك وبين أخيك المؤمن سوء تفاهم فحاول أن تزيل أثر هذا حتى تعيد المحبة بينك وبين أخيك، وانظر الآن الفرق بين شخص تسلم عليه فتجده مكفهر الوجه وربما يعرض عنك، ورجل تسلم عليه فينطلق وجهه سروراً ويضيء من السرور تجد قلبك ينفتح له.
قال صلى الله عليه وسلم: "أو لا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم".
أفشوا: بمعنى انشروا ووسعوا السلام بينكم.

فيسلم الصغير على الكبير، ويسلم الراكب على الماشي، ويسلم القليل على الكثير، ولا يسلم الإنسان بمنبه السيارة لأنه إذا نهي عن السلام بالإشارة فهذا من باب أولى، لكن بعض الناس ينبه بمنبه السيارة ثم يقول: السلام عليكم، فيكون للتنبيه وليس للسلام، ومع ذلك الأولى ألا يفعل وأن يسلم بالقول.

وإذا لم يسلم الصغير فسلم أنت أيها الكبير؛ لأنه قد يكون الصغير في تلك الساعة غافلاً لاهياً ساهياً، وقد يكون جاهلاً فأنت سلم لتعلمه، ولهذا كان من هدي محمد صلى الله عليه وسلم أنه كان يسلم على الصبيان إذا مر بهم تواضعاً منه عليه الصلاة والسلام وتعليماً للأمة.

والقليل على الكثير: أنت الآن معك ثلاثة رجال فالجميع أربعة لاقاكم رجلان ولم يسلما، فتسلم عليهما، ولا نترك السنة تضيع لغفلة، أو سهو، أو استكبار، أو غير ذلك، إذن يسلم الصغير على الكبير، والقليل على الكثير، والراكب على الماشي، والماشي على القاعد، فإذا لم تحصل السنة ممن يطالب بها يسلم الآخر، ومن تواضع لله رفعه الله.

وصيغة السلام: "السلام عليك" إذا كان واحداً، و"السلام عليكم" إذا كانوا جماعة، والدليل: أن رجلاً جاء فدخل المسجد فصلى صلاة لا يطمئن فيها ثم جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "السلام عليك يا رسول الله"، فرد عليه السلام وقال: "ارجع فصل فإنك لم تصل"، وإذا كنت تخاطب اثنين فقل: "السلام عليكم"؛ لأنه يجوز مخاطبة الاثنين بصيغة الجمع، وإذا كنت تسلم على أمك فتقول: "السلام عليكِ"؛ لأن الكاف إذا خوطب بها امرأة تكون مكسورة، وإذا دخلت على خالاتك وهن أربع، أو خمس فتقول: "السلام عليكن ورحمة الله وبركاته"؛ لأن الكاف للخطاب فتكون على حسب المخاطب.

ويرد المسلم عليه: "وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته"، ويجوز بدون الواو ولكن بالواو أفضل، وإذا رد رجل على من قال له: "السلام عليك" بقوله: "أهلاً ومرحباً"، و"حياكم الله"، و"تفضل"، "على الرحب والسعة"، و"هذا من أفضل الأيام عندنا"، و"فقك الله وزادك علماً وتقوى وهدى"، فلا يكون هذا رد السلام الواجب، فلو أن الإنسان ملأ الدنيا كلها في رد ليس به عليك السلام فإنه لا يعد ردّاً للسلام، ويكون آثماً؛ لأن رد السلام واجب بالمثل أو أحسن، لقوله تعالى: {وإذا حييتم بتحيّةٍ فحيّوا بأحسن منهآ أو ردّوهآ إنّ اللّه كان علىٰ كل شىءٍ حسيباً}، فبدأ بالأحسن ثم قال: {أو ردوها}.

ولا يجوز أن يسلم المؤمن على الكافر ابتداءً، فلو مررت على إنسان كافر مجوسي أو يهودي أو نصراني فلا يبدأ بالسلام، والدليل على ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "لا تبدأوا اليهود والنصارى بالسلام، وإذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه"، فلا يجوز أن تبدأ اليهودي أو النصراني، أو المشرك، أو الشيوعي بالسلام لكن إذا سلموا يجب الرد عليهم، والدليل: {وإذا حييتم بتحيّةٍ فحيّوا بأحسن منهآ أو ردّوهآ إنّ اللّه كان علىٰ كل شىءٍ حسيباً}، ما قال الله عز وجل إذا حيّا بعضكم بعضاً، أو إذا حياكم المسلمون، أي إنسان يحييك بتحية فإن من عدالة الإسلام أن ترد عليه: {إنّ اللّه يأمر بالعدل والإحسان وإيتآء ذى القربىٰ وينهىٰ عن الفحشاء والمنكر والبغى يعظكم لعلّكم تذكّرون}، سلم عليه فإذا قال النصراني: "السلام عليكم" فنرد عليه السلام، وإذا أدغم اللام وقال: "السام عليك". ولا تدري أقال السلام، أم السام عليك فيرد عليه: "وعليك" هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نقول إذا سلموا علينا وعليكم وقد علم الرسول هذا بقوله: "إن اليهود كانوا يقولون إذا سلموا عليكم: السام عليكم، فقولوا: وعليكم".

قال أهل العلم: إن هذا يدل على أنه لو قالوا: السلام. باللام الواضحة فإنه يقال عليكم السلام ولا بأس، لعموم قوله تعالى: {وإذا حييتم بتحيّةٍ فحيّوا بأحسن منهآ أو ردّوهآ إنّ اللّه كان علىٰ كل شىءٍ حسيباً}، ولكن يبتلى بعض الناس ببلوى يكون رئيسه في عمله نصرانياً فيدخل المكتب يريد أن يتفاهم مع هذا الرئيس، لو لم يسلم عليه يفصل أو يشطب عليه باللون الأحمر، ولا تظن أنك إذا هجرت الكافر لا يبالي بك، قال الله تعالى: {ولا تهنوا فى ابتغآء القوم إن تكونوا تألمون فإنّهم يألمون كما تألمون وترجون من اللّه ما لا يرجون وكان اللّه عليماً حكيماً}، لا تفكر أنك إذا أهنته لا يتأثر لابد أن يتأثر.

لذا فباب التأول واسع، ونقتصر على هذا القدر، والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.



مجموع فتاوى و رسائل الشيخ محمد صالح العثيمين - المجلد السادس عشر - باب صلاة الجمعة.