هل يصح الدعاء الجماعي؟

السؤال: قرأت لكم فتوى في عن دعاء الإمام عقب الصلاة المفروضة وتأمين المصلين، وقدَّم لنا أحد الشيوخ محاضرة عن ذات الموضوع، وأكد لنا صحة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم بعد الصلاة، مستنداً على بعض الأحاديث التي تلاها من (نيل الأوطار) و(زاد المعاد)، لذا نرجو التوضيح مع الرجوع إلى هذه الأحاديث.

الإجابة

الإجابة: الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

أولاً: الدعاء عقب الصلوات المكتوبة إن كان المراد به دعاء كل امرئ لنفسه فلا حرج فيه، بل هو من السنة، لحديث معاذ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "إني لأحبك، فلا تدعن دبر كل صلاة أن تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك".


ثانياً: المواظبة على الدعاء الجماعي من قبل الإمام والمصلون يؤمنون من ورائه ليس من السنة، بل تترتب عليه من المحاذير ما سبق بيانه في جواب سابق.

ثالثاً: ليس في الكتابين المذكورين ما يدل على المقصود من فتوى الشيخ المذكور -وفقه الله- وهو الدعاء الجماعي، فإن الذي في (نيل الأوطار): "باب في الذكر والدعاء بعد الصلاة" ثم أورد حديث ثوبان رضي الله عنه، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من صلاته استغفر الله ثلاثاً، وقال: "اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام" (رواه الجماعة إلا البخاري)، وعن عبد الله بن الزبير أنه كان يقول في دبر كل صلاة حين يسلم: "لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ولا نعبد إلا إياه، له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله، مخلصين له الدين ولو كره الكافرون"، قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يهلل بهن دبر كل صلاة (رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي)، وعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في دبر كل صلاة مكتوبة: "لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد" (متفق عليه)، وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أنه كان يعلم بنيه هؤلاء الكلمات كما يعلم المعلم الغلمان الكتابة، ويقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ بهن دبر الصلاة: "اللهم إني أعوذ بك من البخل، وأعوذ بك من الجبن، وأعوذ بك أن أرد إلى أرذل العمر، وأعوذ بك من فتنة الدنيا، وأعوذ بك من عذاب القبر" (رواه البخاري والترمذي وصححه)، وعن أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا صلى الصبح حين يسلم: "اللهم إني أسألك علماً نافعاً، ورزقاً طيباً، وعملاً متقبلاً" (رواه أحمد وابن ماجه)، وعن أبي أمامة رضي الله عنه قيل: يا رسول الله: أي الدعاء أسمع؟ قال: "جوف الليل الآخر، ودبر الصلوات المكتوبات" (رواه الترمذي وحسَّنه).

وواضح من سياق تلك الأحاديث أنها لا تصلح للدلالة على المدَّعى، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو دبر الصلوات المكتوبات والصحابة من خلفه يؤمنون على دعائه، ولو كان خيراً لسبقونا إليه.

.. ولذا نقول لإخواننا المسلمين: احرصوا على التقيد بقوله صلى الله عليه وسلم: "صلوا كما رأيتموني أصلي"، واعلموا أن خير الهدي هديه صلوات ربي وسلامه عليه.

وأما كلام ابن القيم رحمه الله تعالى في (زاد المعاد) فهاك نصه في الجزء الأول صفحة 257 قال: "وأما الدعاء بعد السلام من الصلاة مستقبل القبلة أو المأمومين، فلم يكن ذلك من هديه صلى الله عليه وسلم أصلاً، ولا روي عنه بإسناد صحيح ولا حسن، وأما تخصيص ذلك بصلاتي الفجر والعصر، فلم يفعل ذلك هو ولا أحد من خلفائه، ولا أرشد إليه أمته، وإنما هو استحسان رآه من رآه عوضاً من السنة"، والله أعلم.



نقلاً عن شبكةالمشكاة الإسلامية.