حكم الصلاة خلف من يعتقد في أصحاب القبور النفع والضر

إنني من صعيد مصر، وأقيم في قرية صغيرة تكثر فيها المعتقدات الفاسدة في أصحاب القبور والأضرحة والمقامات، ويهتفون بأسمائهم عند الشدائد، ويلجأون إليهم عند الملمات، وينذرون لهم النذور، ويعتقدون فيهم النفع والضر، ويحلفون بأسمائهم، فهل تصح الصلاة خلف إمام مسجد يع

الإجابة

هذا سؤال عظيم، وله شأن كبير؛ لأنه يتعلق بالكفر والإيمان والإسلام والشرك، فهؤلاء الذين ذكرت -أيها السائل- عقيدتهم وأعمالهم هؤلاء يعتبرون كفاراً مشركين وثنيين، مثل كفار قريش وأشباههم، لا يصلى عليهم، ولا يصلى خلفهم، لكونهم يستنجدون بأهل القبور، ويسألونهم قضاء الحاجات، وتفريج الكروب، هذا شرك أكبر، فليس لأحد أن يصلي خلفهم، أو يصلي عليهم إذا ماتوا، بل حكمهم حكم أهل الشرك، وإذا كان بعض الناس يعتقد فيهم يعتقدون في الأولياء النفع والضر صار شركاً آخر، كونه يدعوهم ويسألهم ويستغيث بهم هذا شرك أكبر، وكونه يعتقد فيهم النفع والضر والتصرف في العباد شرك آخر، زائد على شرك المشركين الأولين، فإن قريش وأشباههم في جاليتهم لا يعتقدون النفع والضر في الأموات، ولا في الأصنام، وإنما يعتقدون أنهم شفعاء عند الله، وأنهم يقربونهم من الله زلفى، فقط، كما قال الله -عز وجل-: وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ[يونس: 18] فرد الله عليهم بقوله: قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ[يونس: 18] فسماهم مشركين بهذا، مع أنهم قالوا: هؤلاء شفعاؤنا عند الله، فدل ذلك على أنهم لم يعتقدوا فيهم النفع والضر، وإنما اعتقدوا أنهم وسطاء، وقال -سبحانه- في سورة الزمر: فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ * أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ[الزمر: 2-3] فبين -سبحانه- أنهم ما عبدوهم لأنهم يضرون وينفعون، وإنما عبدوهم ليقربوهم إلى الله زلفى، قال -سبحانه-: مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى[الزمر: 3] فعلم بذلك أن كفار قريش وغيرهم من كفار العرب في عهده -صلى الله عليه وسلم- لم يعتقدوا أن أصحاب القبور أو أن الأصنام أو الأشجار أو الأحجار أو الأنبياء والصالحين ينفعوهم أو يضرونهم، وإنما اعتقدوا أنهم وسطاء، ينفعونهم بالوساطة، ويقربونهم إلى الله زلفى، فلهذا عبدوهم وسألوهم واستغاثوا بهم، وذبحوا لهم، فهؤلاء كفارٌ ماداموا على هذه الحال وليس لك أن تصلي خلف أحدٍ منهم، ولو صليت وحدك، فالجمعة تصلي ظهراً وحدك إلا أن تجد من الموحدين من يصلي معك جمعة في مسجد إن تيسر في المسجد، أو في بيت أحدكم إذا لم يتيسر المسجد، أما أن تصلي خلف هؤلاء فلا، لأن هؤلاء شركهم ظاهر وكفرهم ظاهر، نسأل الله العافية. والواجب على الدعاة إلى الله أن يدعوهم إلى الله، وأن يوضحوا لهم الحق، وأن يرشدوهم، والواجب عليهم أن يتعلموا ويسألوا ويستفيدوا، وأن لا يصروا على باطلهم، والواجب على من كان في هذه المثابة، أن يسأل أهل العلم في بلاده، أو في غير بلادهم بالمكاتبة أو بالهاتف: التلفون، أو بغير ذلك من الوسائل، يسأل، الله يقول: فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ[النحل: 43]، فالحريص على دينه يسأل ولو بالسفر، ولو بأن يرتحل من مكان إلى مكان، كما فعل السلف الصالح يرتحلون من بلد إلى بلد لطلب العلم، وهذه المسألة أعظم مسألة، مسألة التوحيد والكفر هي أعظم مسألة وأكبر مسألة، فالواجب على كل مكلف أن يسعى في خلاصه ونجاته، وأن يسأل أهل العلم عما أشكل عليه، وأن لا يرضى بالعوائد التي درج عليه أسلافه، كما قال الله عن الكفرة: إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ[الزخرف: 23] ما يصلح هذا ما يصلح، بل يجب التعلم والتبصر والتفقه في الدين والسؤال عما أشكل، حتى تعبد ربك على بصيرة: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ[يوسف: 108]، فنسأل الله لك أيها السائل ولمن ذكرت عنهم هذه الأعمال نسأل الله للجميع الهداية، والتوفيق للعلم النافع والعمل الصالح، إنه -سبحانه- جواد كريم.