ما صحة حديث: ((إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء))

سمعت المذيع وكان يتكلم في فضل يوم الجمعة وذلك يوم الجمعة 12 من ربيع الأول وقد أورد حديثاً يقول: ((فأكثروا عليّ من الصلاة فيه فإن صلاتكم معروضة عليّ قالوا: يا رسول الله كيف تعرض عليك صلاتنا وقد أرمت؟ فقال: إن الله عز وجل حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء))[1] رواه الخمسة إلا الترمذي أفليس هذا يتعارض مع الآية الكريمة التي يقول الله فيها: قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ[2]، وقوله سبحانه: وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا[3]، وأنه لما دخل عليه العباس عمه حين مات، ومكث ثلاثة أيام قبل أن يدفن وكان واضعاً يديه على أنفه، وقال له: ((عجلوا بدفن صاحبكم والله إنه ليأسن كما يأسن سائر البشر))، وهذا الحديث الذي سمعته موجود في كتاب (نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار) والحديث أيضاً أخرجه ابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه وقال: صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه، وذكره ابن أبي حاتم في العلل، وحُكي عن أبيه بأنه حديث منكر؛ لأن في إسناده عبد الرحمن بن يزيد بن جابر وهو منكر الحديث، وقال ابن العربي إن الحديث لم يثبت. وأسأل الله تعالى أن يوفقني وإياكم إلى ما يحبه ويرضاه؟[4]

الإجابة

الحديث المذكور معروف عند أهل العلم ولا بأس به عند أهل العلم ولا نكارة في ذلك، فإن الله جل وعلا له أن يخص من يشاء من عباده بما يشاء سبحانه وتعالى فإذا خص الأنبياء بتحريم أجسادهم على الأرض فلا غرابة في ذلك لما لهم لديه من الكرامة.

والصلاة والسلام عليه مشروعة مطلقاً، ولو فرضنا أن الجسد قد أكلته الأرض كما تأكل أجساد الناس الآخرين فإن هذا لا يمنع من الصلاة والسلام عليه، ولا يمنع أيضاً من تخصيص الجمعة بالمزيد من ذلك؛ لما جاء في الحديث فإن الصلاة والسلام عليه مشروعان دائماً عليه الصلاة والسلام في حياته وبعد وفاته عليه الصلاة والسلام؛ لقول الله عز وجل: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا[5]، اللهم صلّ وسلم عليه صلاةً وسلاماً دائمين إلى يوم الدين.

وقال عليه الصلاة والسلام كما رواه مسلم في الصحيح: ((من صلّى علي واحدة صلّى الله عليه بها عشراً)).

وبذلك يُعلم أن الصلاة والسلام مشروعان في حياته وبعد وفاته، أما كون جسده يبقى فقد جاء في هذا الحديث وسنده لا بأس به عند أهل العلم، أما قول العباس فلا أعلم إلى يومي هذا صحته ولم أتتبع أسانيده، ولو فرضنا صحة قول العباس فإنه لا ينافي ما جاء به هذا الحديث من تحريم أجساد الأنبياء على الأرض؛ لأنه قد يعتري الجسد ما يعتريه من التغيير وهو باقٍ لم تأكله الأرض، فإن الله على كل شيء قدير سبحانه وتعالى، فإذا وضع في القبر أمكن أن تزول هذه الرائحة على فرض صحة أثر العباس ويبقى الجسد سليماً طرياً، وليس في الشرع ولا في العقل ما يمنع ذلك.

والمقصود أن الصلاة والسلام عليه مشروعان مطلقاً سواء بقي الجسد أم لم يبق الجسد وكونه تعرض عليه صلاة أمته لا تعلق له بالجسد، وإنما ذلك على الروح وهي في الرفيق الأعلى، فإنّ روحه باقية، وهكذا الأرواح باقية عند أهل السنة والجماعة، أرواح المؤمنين في الجنة، وأرواح الكفار في النار، روحه صلى الله عليه وسلم في أعلى عليّين عليه الصلاة والسلام، وأرواح المؤمنين في صفة طيور تعلق في شجر الجنة، وأرواح الشهداء في أجواف طير خضر تسرح في الجنة حيث شاءت ثم ترجع إلى قناديل معلقة تحت العرش كما صحت بذلك الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، والله ولي التوفيق.

[1] أخرجه النسائي في كتاب الجمعة، باب إكثار الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، برقم 1374، وأبو داود في كتاب الصلاة، باب فضل الجمعة وليلة الجمعة، برقم 1047، وابن ماجه في كتاب إقامة الصلاة، باب فضل الجمعة، برقم 1085، وأحمد في أول مسند المكثرين، حديث أوس بن أبي أوس الثقفي، برقم 15729.

[2] سورة الكهف، الآية 110، سورة فصلت، الآية 6.

[3] سورة الكهف، الآية 8.

[4] أجاب عنه سماحته بتاريخ 28/9/1414ه.

[5]  سورة الأحزاب الآية 56.