هل حديث الجارية التي ضربت بالدف عند النبي صحيح؟

السؤال: نريد جواباً شافياً حول حديث الجارية التي قالت: "إني كنت نذرت إن ردك الله صالحاً أن أضرب عندك بالدف" قال: "إن كنت فعلت، فافعلي، وإن كنت لم تفعلي فلا تفعلي"، وهل تدل على مسألة ضرب الدف للرجال؟

الإجابة

الإجابة: عن عبد الله بن بريدة عن أبيه: أن أمة سوداء أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم -ورجع من بعض مغازيه- فقالت: إني كنت نذرت إن ردك الله صالحاً (وفي رواية: سالماً) أن أضرب عندك بالدف [وأتغنى]؟ قال: "إن كنت فعلت (وفي الرواية الأخرى: نذرت)، فافعلي، وإن كنت لم تفعلي فلا تفعلي".

فضربت، فدخل أبو بكر وهي تضرب، ودخل غيره وهي تضرب، ثم دخل عمر، قال: فجعلت دفها خلفها، (وفي الرواية الأخرى: تحت إستها ثم قعدت عليه)، وهي مقنَّعة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الشيطان ليفرق (وفي رواية: ليخاف) منك يا عمر! أنا جالس ههنا [وهي تضرب]، ودخل هؤلاء [وهي تضرب]، فلما أن دخلت [أنت يا عمر] فعلت ما فعلت، (وفي الرواية: ألقت الدف)".

وقد جاءت آثارٌ تدل على الترخيص في الدف في مواطن، وهذا النص على الترخيص يُفهم منه التحريم فيما عداها، فتعبير الصحابة ب: (رخّص) يُشعر بأن الأمر قبل الترخيص محظور -أي محرّم- كما في الصحيحين من حديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رخَّص لعبد الرحمن بن عوف والزبير في قميص من حرير من حكّةٍ كانت بهما، وفي رواية: أن عبد الرحمن بن عوف والزبير شكوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يعني القمل فأرخص لهما في الحرير، والرُّخصة هنا إنما تكون بعد التحريم، وليست أمراً مباحاً.

والرخصة هنا في ضرب الدفّ للنساء دون الرجال.

قال ابن حجر رحمه الله: والأحاديث القوية فيها الإذن في ذلك للنساء، فلا يلتحق بهن الرجال، لعموم النهي عن التشبه بهن.

فضرب الدفّ رُخصة رُخِّص بها للنساء دون الرجال في مواطن.

وقد قال الشاطبي: وأما الرخصة فما شرح لعذر شاق استثناء من أصل كلي يقتضي المنع مع الاقتصار على مواضع الحاجة فيه.

وإذا تقرر ما سبق فهذا الحديث لا يدل على جواز مطلق الضرب بالدف لأمور، منها:

* قال الشيخ الألباني: "لأنها واقعةُ عينٍ لا عموم لها، وقياس الفرح بقدوم غائب مهما كان شأنه على النبي صلى الله عليه وسلم قياس مع الفارق كما هو ظاهر، ولذلك كنت قلت في "الصحيحة" (4/142) عقب الحديث:
"وقد يُشكل هذا الحديث على بعض الناس، لأن الضرب بالدف معصية في غير النكاح والعيد، والمعصية لا يجوز نذرها ولا الوفاء بها".
والذي يبدو لي في ذلك أن نذرها لما كان فرحاً منها بقدومه عليه السلام صالحاً منتصراً، اغتفر لها السبب الذي نذرته لإظهار فرحها، خصوصية له صلى الله عليه وسلم دون الناس جميعاً، فلا يؤخذ منه جواز الدف في الأفراح كلها؛ لأنه ليس هناك من يُفرح به كالفرح به صلى الله عليه وسلم، ولمنافاة ذلك لعموم الأدلة المحرمة للمعازف والدفوف وغيرها، إلا ما استثني كما ذكرنا آنفاً" قال: "وقد شرح السبب الذي ذكرته الإمام الخطابي رحمه الله، فقال في "معالم السنن" (4/382):
"ضرب الدف ليس مما يُعد في باب الطاعات التي يعلق بها النذور، وأحسن حاله أن يكون من باب المباح، غير أنه لما اتصل بإظهار الفرح بسلامة مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة من بعض غزواته، وكانت فيه مساءة الكفار، وإرغام المنافقين صار فعله كبعض القرب التي من نوافل الطاعات، ولهذا أبيحَ ضرب الدف".
قلت: ففيه إشارة قوية إلى أن القصة خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم، فهي حادثة عين لا عموم لها، كما يقول الفقهاء في مثيلاتها" انتهى.

فالضرب في نحو تلك الأفراح مأذون فيه، ولا يقال بجوازه في غيرها لعموم النهي في غير تلك المواطن، وهكذا كل ما كان مستثنى من أصل المنع العام لا يصح قياس غيره عليه، لأن الإباحة مستثناة من أصل عام في صورة خاصة، وما عدا تلك الصورة الخاصة يظل حكم الأصل العام هو الأصل فيها.

* ليس في الحديث ما يفيد أن ذلك لم يكن في عرس أو ختان أو نحوهما مما أذن فيه، فاحتمل أن يكون ذلك في مناسبة شرع فيها ضرب الدف، وإذا كان هذا الاحتمال قائماً فالحمل عليه للنصوص الواردة في الترخيص بالضرب في مواطن مخصوصة أولى من الاستدلال بمحتمل على جواز ما منعته الأصول العامة.

* في هذا الحديث إشارة إلى أن الأصل في الدف التحريم، ولهذا قال: "إن الشيطان ليخاف منك يا عمر"، "فجعلت دفها خلفها"، "ألقت الدف"، ولو كان أمراً مباحاً عندهم من حيث الأصل لما ناسب أن تراع الأمة وتلقيَ الدف، وإنما أذن لها صلى الله عليه وسلم في ذلك الموطن خاصة لمناسبة أو للفرح بعوده سالماً وهو شبيه بفرح العرس بل أعظم، ولكن لما كان اقتناؤها للدف وحملها له موهماً أمراً آخر قال ما قال وخافت مما خافت.

* وفي الختام: أقلُّ ما يمكن أن يقال لمن رأى الحديث حجة على الجواز مطلقاً مسألة الدف خاصة محل خلاف بين أهل العلم، وإن الحرام بيِّن والحلال بيِّن وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيها.

والله المستعان وهو العاصم وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلا به، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.



نقلاً عن موقع فضيلة الشيخ ناصر العمر على شبكة الإنترنت.