هل تحتجب المرأة من ابن عمها إذا بلغ خمسة عشر سنة

إذا كان للمرأة ابن عم وعمره خمس عشرة سنة، هل يجب عليها أن تحتجب عنه أو لا؟

الإجابة

نعم، إذا بلغ الطفل خمس عشرة سنة وجب الاحتجاب على المرأة الأجنبية التي هي ليست محرماً له، ووجب عليه الاستئذان، كما قال الله -عز وجل- في سورة النور: (وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) (النور: من الآية59) فهذا يدل على أنهم قبل ذلك لا يجب عليهم الاستئذان إلا في العورات الثلاث كما في الآية الأخرى، فالحاصل أنه إذا بلغ خمس عشرة سنة أو احتلم ولو قبل ذلك بأن رأى في نومه أنه جامع المرأة وأنزل المني، أو أنزل من دون جماع بأن تحركت شهوته فأنزل ولو في غير نوم، فإنه يكون بهذا قد بلغ الحلم ولو كان أقل من خمس عشرة سنة، وهكذا إذا أنبت الشعر الخشن حول الفرج فإنه يبلغ بذلك، فينبغي للمرأة أن تحتاط وتستتر وتحتجب عن المراهق لأن المراهق قد يكون بلغ بالسن أو بالاحتلام وبإنزال المني أو بإنبات الشعر فإذا علمت أنه كمل خمس عشرة سنة فإن هذا رجل يتعين الاحتجاب عنه من كل امرأة ليست محرماً له ولو كان ابن عم ولو كانت ابنة عمه أو ابنة خاله أو ابنة عمته أو نحو ذلك لقول الله -عز وجل- في الآية الأخرى: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ(الأحزاب: من الآية53)، ولقوله سبحانه: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ(الأحزاب: من الآية59)، والجلباب ما يوضع فوق الرأس وفوق البدن فيستر وجه المرأة وأطرافها، ولقوله -عز وجل- أيضاً في سورة النور: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ..) الآية (النور: من الآية31)، والبعولة هم الأزواج، ولما ثبت في الصحيحين عن عائشة -رضي الله عنها- أنها ذكرت لما سمعت صوت صفوان بن معطل يسترجع حين تخلفت في بعض الغزوات قالت: إنه عرفني فاسترجع وذلك أنه كان قد رآني قبل الحجاب فلما سمعت صوته خمرت وجهي) فدل ذلك على أنهم بعد الحجاب بعد نزول آية الحجاب أمروا بتخمير الوجوه يعني أمر النساء بتخمير الوجوه، وهذا كان في غزوة الإفك التي تخلفت فيها عائشة عن الغزو لما ذهبت تقضي حاجتها فجاء الذين يرحلونها فرحلوا هودجها يظنون أنها في الهودج لخفتها فلما جاءت ولم تجدهم اضطجعت في محلها وعلمت أنهم سيرجعون إليها فلما رآها صفوان بن المعطل استرجع لما رآها وأركبها فوق راحلته وجعل يقودها حتى أوصلها الجيش وقالت عند ذلك أنها لما سمعت صوته خمَّرت وجهها وكان قد رآها قبل الحجاب فعرفها فدل ذلك على أن النساء أمرن بهذا الحجاب لتخمير الوجوه، وأما حديث أسماء بنت أبي بكر الذي روته عائشة -رضي الله عنها- أختها، فيما رواه أبو داود في سننه من طريق عائشة رضي الله عنها- أن أسماء بنت أبي بكر دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم- في بيت عائشة وعليها ثياب رقاق فلما رآها النبي صلى الله عليه وسلم- أعرض عنها، وقال: (يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا) وأشار إلى وجهه وكفيه، فهذا الحديث قد تعلق به بعض الناس في التسهيل في كشف الوجه للنساء وهو خطأ عظيم وغلط واضح؛ لأن هذا الحديث ضعيف جداً من وجوه كثيرة؛ ولأن كشف المرأة وجهها من أسباب الفتنة والخطر؛ لأن زينتها في وجهها، وعنوانها في وجهها، دمامة وجمالاً، وهذا الحديث -كما سبق- ضعيف من جوه، منها: أنه منقطع بين عائشة والراوي عنها، فإن الراوي عنها هو خالد بن دريك وهو لم يسمع منها كما قال أبو داود وغيره، والحديث المنقطع يعتبر ضعيفاً لا حجة فيه. الوجه الثاني: أنه من رواية قتادة عن خالد بالعنعنة وقتادة مدلس ورواية العنعنة ضعيفة، كسائر المدلسين المعروفين بالتدليس إذا لم يصرحوا بالسماع، كابن إسحاق وغيرهم من المدلسين، فإن روايتهم تعتبر ضعيفة حتى يصرحوا بالسماع، ما عدا ما في الصحيحين فإن ما رواه الشيخان محتمل؛ لأنهم فتشوا عن أحاديث المدلسين ورووا منها ما صح عندهم وثبت عندهم فيه السماع. وهناك وجه ثالث يضعف فيه الحديث أيضاً وهو: أنه من رواية سعيد بن بشير، وهو ضعيف الرواية لا يحتج به. وهناك وجه رابع وهو: أنه لو صح لكان يحتمل أنه قبل نزول آية الحجاب، وما كان محتملاً فلا يحتج به؛ لأن آية الحجاب دلت على وجوب التستر والحجاب، فلو صح لكان محمولاً على أن هذا كان قبل الحجاب، فإن النساء كن قبل الحجاب يكشفن وجوههن وأيديهن، فلما نزل الحجاب منعن من ذلك. وهناك وجه خامس وهو: أنه يبعد أن يقع هذا من أسماء، فالمتن منكر، المتن في نفسه منكر؛ لأنه يبعد أن يقع مثل هذا من أسماء مع فضلها وعلمها وجلالة قدرها، وكونها زوجة الزبير بن العوام حواري الرسول صلى الله عليه وسلم -رضي الله عنه-، فيبعد أن يخفى عليها هذا الأمر، ويبعد أن تدخل على النبي في ثياب رقاق، فإن هذا لا يليق بأمثالها ولا يظن بأمثالها، فهو منكر من هذه الحيثية، فاجتمع في تضعيفه خمسة وجوه، كلها تدل على ضعفه وأنه لا يجوز التعلق به في إباحة السفور للنساء، والله المستعان.