مذهب الإمام محمد بن عبدالوهاب في الإنكار على الحاكم

السؤال: عن أم سلمة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "يُستعمل عليكم أمراء، فتعرفون وتنكرون، فمن كره فقد برئ، ومن أنكر فقد سلم، ولكن من رضي وتابع"، قالوا: يا رسول الله ألا نقاتلهم؟ قال: "لا، ما صلوا" (رواه مسلم). وعن عوف بن مالك الأشجعي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، وتصلون عليهم ويصلون عليكم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم"، قالوا: يا رسول الله أفلا ننابذهم عند ذلك؟ قال: "لا ما أقاموا فيكم الصلاة، ألا من ولي عليه وال، فرآه يأتي شيئاً من معصية الله فليكره ما يأتي من معصية، ولا ينزعن يداً من طاعة" (رواه مسلم). وعن ابن عباس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من كره من أميره شيئاً فليصبر، فإنه من خرج من السلطان شبراً مات ميتةً جاهلية" (رواه البخاري). وعن ابن عباس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر عليه، فإنه من فارق الجماعة شبراً فمات إلا مات ميتةً جاهلية" (رواه البخاري). السؤال / ما منهج الإمام محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- في الدعوة والإنكار على ولي الأمر؟ وكيف يمكن أن نوفق بين أسلوبه في الإنكار بالكلمة والسيف على الحاكم آنذاك وبين الأحاديث السابقة، رغم أن الحاكم كان مسلماً؟ وإذا كان المبرر أن الحاكم انتشرت في عصره أمور شركية كثيرة، فهل يكون هذا مبرراً للمسلمين في الدول التي ينتشر فيها أمور شركية مشابهة مثلاً الأضرحة والذبح عند القبور ونحو ذلك ليثوروا ويتمردوا على الحاكم، للإنكار على طريقة الشيخ في الإنكار بالسيف وتغيير الحاكم بحاكم يحكم بالشريعة الإسلامية؟ رغم أن مثل هذا حدث في بعض الدول الإسلامية وأثار فتناً وانشقاقات، أفيدونا جزاكم الله خير الجزاء وأثابكم ألف ألف حسنة بكل كلمة. وفقكم الله وسددكم.

الإجابة

الإجابة: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

الإنكار على ولي الأمر المسلم لا يكون بالسلاح وإنما بالحكمة والموعظة الحسنة، وكذلك يكون وفق حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في درجات إنكار المنكر: "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان" (الحديث أخرجه مسلم في صحيحه)، وليحذر المسلم على ألا يترتب على إنكار المنكر مفسدة أعظم، فإن كان كذلك فينتقل إلى الدرجة الأدنى؛ لقوله سبحانه: {وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام: من الآية108].

ومنهج شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله هو مثل ما ذكرت، ولم يخرج على وليّ الأمر، بل كان ينكر بلسانه ولقي في ذلك ما لقي، ولم يقاتل أحداً منهم، حتى قامت الدولة الإسلامية بالاتفاق بينه وبين الإمام محمد بن سعود رحمهما الله، وهنالك يجوز للحاكم المسلم أن يحارب الدول الممتنعة، التي يكون عندها مخالفة لنص قطعي الدلالة والثبوت من أصول الدين المعتبرة، كما حارب أبو بكر رضي الله عنه المرتدين لما منعوا الزكاة.

ويشترط أن يكون الحاكم المسلم قادراً على ذلك، ولا يترتب على فعله مفسدة أعظم وإلا فهو معذور، وتكون الدعوة بالتي هي أحسن، كما أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم عندما كان في مكة، ولم يقاتل صلى الله عليه وسلم قريشاً إلا بعد سنوات طويلة من قيام الدولة المسلمة، وذلك عندما توافرت الأسباب وزالت الموانع، وأذن الله له بذلك.

وفقك الله وزادنا وإياك هدى وسداداً وتوفيقاً، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.



نقلاً عن موقع فضيلة الشيخ ناصر العمر على شبكة الإنترنت.