هل أحلق لحيتى أم أتركها؟

السؤال: أنا شاب ملتزم من المغرب، وليس لدي عمل ووجدت لي أختي عقد عمل في أسبانيا وتحمست له وأرسلت الطلبات عبر السفارة ولكن لم أكن آنذاك ملتحياً ولم تكن لحيتي ظاهرة، وبعد هذا التزمت وأنا بانتظار الرد لكي أشرع في جمع أوراق أخرى لأحصل على فيزا عمل في أسبانيا . الآن وأنتظر الرد تقول لي أمي وأختي أن أحلق لحيتي إذا كنت سأذهب إلى دفع الأوراق للسفارة ولعلمكم أمي مريضة بالسكر والعصب وحالتها تزداد سوءاً إذا سمعت شيئاً عليّ فهي تقول أنني يجب عليّ أن أحلق لحيتي إذا كنت أريد الذهاب للسفارة فأنا لا أريد أن أوقعها في مرض محزن مع العلم أنني أنا أعيش في المنزل وهي تقول لن ارتاح حتى تذهب إلى أسبانيا أو فرنسا لأن لي إخوة في فرنسا فماذا أفعل جزاكم الله خيراً فهي وأخوتي يقولون لي احلق لحيتك ثم بعد ذهابك إلى أسبانيا أعفها هل أستطيع فعل ذلك أم لا؟ مع علمكم أنني طلبت رقم هاتف المشايخ لأنني أريد التحدث في هذا الموضوع مع شيخ وأرجو أن تجيبوني في أقرب وقت بارك الله فيكم وجزاكم الله خيراً

الإجابة

الإجابة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فاعلم - رعاك الله - أن إعفاء اللحية من الأوامر الشرعية الأكيدة، التي يجب على المسلم امتثالها، ففي الصحيحين عن ابن عمر، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "خالفوا المشركين، وفروا اللحى وأحفوا الشوارب". والأحاديث في هذا الباب كثيرة ، والأمر يقتضي الوجوب في قول جمهور الأصوليين والفقهاء؛ وقد اجتمع في ذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم - وفعله، وهو هدي النبيين جميعاً، وكذلك فعل الصحابة، والتابعين لهم بإحسان، لا يعرف منهم مخالف؛ ولذلك حكى أبو محمد بن حزم الإجماع على حرمة حلقها فقال في كتابه " مراتب الإجماع ": "واتفقوا أن حلق جميع اللحية مثلة لا تجوز". اه. وأقره شيخ الإسلام ابن تيمية في نقض مراتب الإجماع؛ فلم يتعقبه. وإذا تقرر هذا؛ فلا يجوز لك العمل في مجال يلزمك حلق اللحية، إلا أن تضطر إليه؛ فيجوز حينئذ بقدر ما تدفع به الضرورة، سواء كانت الضرورة في نفسك أو فيمن تعول، وكذلك إذا كان إعفاء اللحية يسبب للمرء ضرراً مجحفا محققا، كالقتل أو التشريد أو الحبس أو التعذيب، ولم يستطع دفع ذلك الضرر إلا بالتخفيف من لحيته أو حلقها - فإنه يجوز له حينئذٍ؛ لأن أوامر العزيز الحكيم الرحيم مبنية على رفع الحرج ودفع الضرر؛ قال تعالى: {لا يكلف الله نفساً إلاّ وسعها} [ البقرة: 286]، وقال تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج:78]، وقال تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإِنْسَانُ ضَعِيفاً } [النساء:28]، وقال تعالى : {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة : 173]، وقال تعالى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام:119]، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ما نهيتكم عنه فاجتنبوه وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم"؛ متفق عليه، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم: "فلما كان المسلمون في أول الأمر ضعفاء؛ لم يشرع المخالفة لهم، فلما كمل الدين وظهر وعلا شرع ذلك، ومثل ذلك اليوم لو أن المسلم بدار حرب أو دار كفر غير حرب، لم يكن مأموراً بالمخالفة لهم في الهدي الظاهر؛ لما عليه في ذلك من الضرر؛ بل قد يستحب للرجل أو يجب عليه أن يشاركهم أحياناً في هديهم الظاهر إذا كان في ذلك مصلحة دينية من دعوتهم إلى الدين والاطلاع على باطن أمرهم؛ لإخبار المسلمين بذلك، أو دفع ضررهم عن المسلمين ونحو ذلك من المقاصد الصالحة. .اه".
أما الإقامة في بلاد الكفر لمجرد العمل فتَحْرُم لمن لا يستطيع أن يقيم شعائر الدين، ويخشى على نفسه الفتنة؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - تبرَّأ ممَّن أقام بين أظهر المشركين؛ فقد روى أبو داود والترمذي وابن ماجه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إني بريءٌ من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين".

إلا إذا دعت لتلك الإقامة ضرورةٌ ملحَّةٌ، أو لغرض الدعوة، وبشرط أن يغلب على ظنِّ المهاجر أنه سيَسْلَم، وذلك لما للإقامة في بلادهم من المفاسد.

والواجب على من يقيم في تلك البلاد أن يتمكن من إقامة دينه على حسب ما يستطيع، ولا بأس أن يقيم من عنده علمٌ راسخٌ، وإيمانٌ ثابتٌ، من أجل الدعوة إلى الله - عزَّ وجلَّ - وتعليم الناس الخير، بشرط أن يأمن على نفسه وأولاده وزوجه من الوقوع في المنكرات.

ومما سبق يتبين أنه إن كان السائل الكريم مضطراً للعمل والهجرة لتلك البلاد، للحاجة الماسة أو يكون لا يأمن على نفسه أو دينه أو أهله في بلده، ولم يجد بلداً مسلماً يأوي إليه، أو تعذَّر عليه ذلك؛ فلا حرج عليه إن شاء الله تعالى أن يحلق لحيته للذهاب للسفارة تمهيدا لسفره، - قال تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 173] إن كان سيأمن في تلك البلاد على نفسه ودينه، وعليه أن يسعى جاهداً في الحفاظ على دينه، وأن يقلِّل من الاختلاط بالناس، ومن التواجد في أماكن الفتن، خصوصاً فتن النساء،، والله أعلم.



من فتاوى زوار موقع طريق الإسلام.