الإجابة:
أخي في الله ، أوصيك أن تبر والديك ، وأن تقدم بر والديك على الاعتكاف
، وعلى سائر النوافل ؛ لأن الله وصّاك من فوق سبع سماوات بوالديك خيرا
، وأمرك سبحانه أن تحسن إلى والديك .
وقد أجمع العلماء - رحمهم الله - على أن برّ الوالدين من أحبّ الأعمال
إلى الله -عز وجل - ، وذلك بعد حقّه ؛ ففي الصحيحين من حديث عبد الله
بن مسعود - رضي الله عنه وأرضاه - أنه " قال: سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - أي العمل
أحب إلى الله - تعالى - ؟ قال: الصلاة على وقتها. قلت : ثم أي ؟ قال :
بر الوالدين . قلت : ثم أي ؟ قال : الجهاد في سبيل الله. "
فالزم رجل والدتك ، والزم رجل والديك ؛ فإن الجنة ثَمّ . " قال: يا رسول الله ، أقبلت من اليمن أبايعك على
الهجرة والجهاد وتركت أبوايا يبكيان ؟ قال : أتريد الجنة ؟ قال : نعم
. قال: ارجع إليهما فأضحكهما كما أبكيتهما ، وأحسن إليهما ولك
الجنة " .
وفي الحديث الآخر : " تركه أمه تبكي. فقال
: ارجع إليها فالزم رجلها ، فإن الجنة ثَمّ " أي هناك.
فأوصيك بوالديك خيرا ، والله فرض عليك برّ الوالدين ، ولم يفرض عليك
الاعتكاف ، واعلم أنك لم توفق في اعتكافك ، ولا في أي طاعة من القربات
النافلة إلا بعد أداء حق الله في الفرائض ، فالتمس رضا والديك ، واتق
الله - تعالى - في والديك ، خاصة بعد كِبَرهما ، وضعفهما ، وشدة
حاجتهما إليك ، فارحم ذلك الضعف ، لعل الله أن يرحمك في الدنيا
والآخرة ، وأحسن إليهما لعل الله أن يحسن إليك في الدنيا والآخرة .
فأوصيك أن تبدأ بوالديك ، ولو علمت أن والديك يأذنان لك ولكن مجاملة
لك ، وفي الحقيقة يحتاجان إليك فقدّم برهما ، ولو أذن لك الوالدان ،
وتعلم أنّك لو جلست معهما تصيب فضائل من برّهما ، وصلة الرحم فيهما ؛
فإنك تقدّم ما عندهما من الفضائل التي هي مقدمة على الاعتكاف أصلا ؛
ولهذا أقول لك : الزم والديك ، وبر والديك ، واعلم أنهما أمانة في
عنقك .
فبر الوالدين أمانة ، وبالأخص برّ الوالدة ، وبالأخص في الأحوال
الشديدة ، عند المرض وكبر السِّن ، انظر كيف يوصي الله عباده ،
ويذكّرهم بالوالدين ، فيختار حالة الضعف : {إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ
أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ
تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا . وَاخْفِضْ لَهُمَا
جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا
رَبَّيَانِي صَغِيرًا } { الإسراء:23-24 } رب ارحم والدين كما
ربونا صغارا ، فأحسن إلى والديك ، وقدم برّهما على النوافل .