حيّات البيوت لا تقتل إلا بعد إنذارها ثلاثا

السؤال: نحن ثلاثة طلاب، نزلنا في بيت من بيوت البلد القديمة، واستأجرناه، ورأينا فيه حية تظهر لنا بعض الأحيان، ونخاف منها، فقام أحدنا ليقتلها، فنهاه الآخر، وقال: إنه ورد النهي عن قتل حيات البيوت حتى تُنْذَرَ، فهل هذا صحيح، وما صفة إنذارهن؟

الإجابة

الإجابة: ورد النهي عن قتل حيات البيوت، وتسمى جِنّان البيوت، إلا الأبتر وذا الطُّفْيَتَيْن.

▪ قال العلماء رحمهم الله: وذلك خشية أن تكون من مسلمي الجن التي تسكن البيوت، فإذا تبدت حيات البيوت لأهل البيت، لم يجز لهم قتلها حتى ينذروها ثلاثاً.

وروى البخاري ومسلم وأبو داود (1) عن أبي لبابة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم: نهى عن قتل الْجِنَّان التي تكون في البيوت إلا الأبتر وذا الطفيتين؛ فإنهما اللذان يخطفان البصر ويتتبعان ما في بطون النساء. والطفيتان -بضم الطاء- الخطان الأبيضان على ظهر الحية. والأبتر والأبيتر: قصير الذَّنَب. وقال النضر بن شميل: هو صنف من الحيات أزرق، مقطوع الذنب، لا تنظر إليه حامل إلا ألقت ما في بطنها.

وروى مسلم، ومالك في آخر (الموطأ)، وغيرهما عن أبي السائب مولى هشام بن زهرة أنه دخل على أبي سعيد الخدري في بيته، قال: فوجدته يصلي؛ فجلست أنتظره حتى يقضي صلاته، فسمعت تحريكاً في عراجين في ناحية البيت، فالتفتُّ، فإذا حية، فوثبتُ لأقتلها، فأشار إلي: أن اجلس؛ فجلست، فلما انصرف أشار إلى بيت في الدار، فقال: أترى هذا البيت؟ فقلت: نعم، قال: كان فيه فتى منا حديث عهد بعرس، قال: فخرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الخندق، فكان ذلك الفتى يستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنصاف النهار، فيرجع إلى أهله. فاستأذنه يوماً، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خُذ عليك سلاحك، فإني أخشى عليك قريظةٌ" فأخذ الرجل سلاحه، ثم رجع، فإذا امرأته بين البابين قائمة، فأهوى إليها الرمح ليطعنها به، وأصابته غَيرة، فقالت له: اكفف عليك رمحك، وادخل البيت حتى تنظر ما الذي أخرجني، فدخل، فإذا بحية عظيمة، منطوية على الفراش، فأهوى إليها بالرمح، فانتظمها به، ثم خرج فركزه في الدار، فاضطربت عليه، فما يُدرى أيهما كان أسرع موتا: الحية أم الفتى، قال: فجئنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فذكرنا ذلك له، وقلنا: ادع الله يحييه لنا فقال: "استغفروا لصاحبكم"، ثم قال: "إن بالمدينة جنّا قد أسلموا، فإذا رأيتم منهم شيئا، فآذنوه ثلاثة أيام، فإن بدا لكم بعد ذلك فاقتلوه؛ فإنما هو شيطان" (2).

▪ واختلف العلماء في الإنذار: هل ثلاثة أيام، أو ثلاث مرات. وكلام الناظم صالح لكل منهما، قال في (الآداب الكبرى) (3): يسن أن يقال للحية التي في البيوت ثلاث مرات. وفي (المجرد): ثلاثة أيام. انتهى. ومقتضى الحديث: ثلاثة أيام. قال بعض الشافعية: وعليه الجمهور، وقال اليونيني من أئمة المذهب في (مختصر الآداب): يسن أن يقال للحية في البيوت ثلاث مرات. ذكره غير واحد ولفظه في (الفصول): ثلاثة، ولفظه في (المجرد): ثلاثة أيام.

▪ وكيفية الاستئذان كما في (الآداب الكبرى) وغيرها: "اذهب بسلام لا تُؤْذِنَا". وفي (حياة الحيوان) تقول: "أَنشدكن بالعهد الذي أخذه عليكن نوح وسليمان بن داود عليهم السلام، أن لا تَبْدُوا لنا ولا تؤذونا"، وفي (أسد الغابة) عن عبد الرحمن ابن أبي ليلى قال: قال أبو ليلى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا ظهرت الحية في المسكن فقولوا لها: إنا نسألك بعهد نوح صلى الله عليه وسلم وبعهد سليمان بن داود -عليهما السلام- لا تؤذينا. فإن عادت فاقتلوها"، فإن ذهبت بعد الاستئذان، وإلا قتلها إن شاء (4)، والله أعلم.

___________________________________________

1 - البخاري (3298، 3311، 3313، 4017)، ومسلم (2233)، وأبو داود (5252، 5253).
2 - مسلم (2236)، ومالك في (الموطأ) (ص 976، 977)، وأحمد (3/41).
3 - (الآداب الشرعية) (3/347).
4 - (أسد الغابة) (5/ 286)، وهو في أبي داود (5260)، والترمذي (1485)، وابن أبي شيبة (5/ 404، 405).