هل تصح صلاة القيام بعد الوتر

أديت صلاة العشاء وكذلك الوتر ثم نمت، وقمت بعد منتصف الليل فهل تجوز الصلاة التي هي قيام الليل بعد الوتر؟

الإجابة

السنة للمؤمن أن يتحرى الوقت الذي يستطيعه للتهجد في الليل، فإن كان يستطيع القيام من آخر الليل أخر تهجده في آخر الليل لأن هذا أفضل، وقت التنزل الإلهي الذي جاء في الحديث الصحيح المستفيض عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال : (ينزل ربنا إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يقع الثلث الليل في الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له، حتى يطلع الفجر). هذا الوقت وقت عظيم في نزول الرب -عز وجل- نزول يليق بجلاله -سبحانه وتعالى-، وفيه أنه يقول : (هل من داعٍ فيستجاب له؟ هل من سائلٍ فيعطى سؤله؟ هل من مستغفرٍ يغفر له؟). وفي رواية: (هل من تابٍ فيتاب عليه؟). هذا فضل عظيم، ينبغي تحري هذا الوقت، وهو آخر الليل، الثلث الأخير، لهذا الحديث الصحيح في النزول، وهذا النزول وصف لربنا -عز وجل- كما يليق به –سبحانه وتعالى -لا يكيف ولا يمثل، بل يقال في هذا: نزول يليق بجلاله لا يشابه في خلقه -سبحانه وتعالى- كسائر الصفات، كما نقول استوى على العرش استواءً يليق بجلاله، لا شبيه له في خلقه -سبحانه وتعالى-، وكما نقول أن علمه يليق بجلاله، ورحمته وهكذا وجهه، وهكذا يده، وهكذا سائر الصفات، كلها حق، وكلها ثابتة لله -سبحانه وتعالى- على الوجه اللائق بالله -جل وعلا-، كما قال سبحانه : لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [(11) سورة الشورى]. أثبت لنفسه السمع والبصر، ونفى عن نفسه المماثلة -سبحانه وتعالى-، وهذا هو الحق الذي درج عليه أهل السنة والجماعة، وذلك هو إثبات جميع الصفات والأسماء الواردة في الكتاب العزيز، أو السنة الصحيحة المطهرة عن رسول الله -عليه الصلاة والسلام- نثبتها إثباتاً بلا تمثيل، وننزهها عن التعطيل، ونقول أنه يجب إثبات صفات الرب وأسمائه من النزول والاستواء والرحمة والغضب والوجه واليد والأصابع وغير ذلك نثبتها لله كما جاء في النصوص إثباتاً بلا تمثيل، وننزه صفاته عن مشابهة خلقه تنزيهاً بريئاً من التعطيل، هكذا يقول أهل السنة والجماعة، فالنزول من ذلك الباب، نزول الرب في آخر الليل من هذا الباب، نثبته لله على الوجه اللائق بالله -سبحانه وتعالى- مع الإيمان بعلوه فوق العرش، وأنه فوق العرش -جل وعلا-، فإن صفاته لا تشابه صفات خلقه، فلا يتنافى النزول في حقه مع علوه فوق العرش -سبحانه وتعالى-، لا يتنافى هذا وهذا في حقه -عز وجل- فإنه نزول لا يعرف كنهه وكيفيته إلا هو -سبحانه وتعالى- فهو نزول يليق بالله فيه هذا الخير العظيم، فيه أن الله -سبحانه وتعالى- يقول : هل من تائبٍ فيتاب عليه ؟ هل من سائل فيعطى سؤله؟ هل من مستغفرٍ فيغفر له؟ هذا فضل عظيم ينبغي في هذا الوقت الإكثار من الدعاء في آخر الليل مع الصلاة، مع القراءة، هكذا أرشد النبي -صلى الله عليه وسلم-، أما إذا كان لا يستطيع ذلك ويخشى أن ينام فإنه يوتر في أول الليل، يصلي ما تيسر في أول الليل، يوتر بثلاث، بخمس، سبع، بسبع، بأكثر، أو بواحدةٍ على الأقل، لا بأس، يكفي واحدة، بعد سنة العشاء، إذا صلى العشاء وصلَّى راتبته ثنتين وأوتر بواحدة فكفى، وإن أوتر بثلاث فهو أفضل، وإن أوتر بأكثر فهو أفضل، ثم إذا قام من آخر الليل، أو في أثناء الليل، وأحب أن يتهجد فلا بأس، إذا قام في آخر الليل وأحب أن يصلي ركعتين أو أربع ركعات أو أكثر بلا وتر فلا بأس، الوتر لا يعيده، النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : (لا وتران في ليلة). لكن يصلي ما تيسر في أثناء الليل أو في آخر الليل شفعاً، ثنيتن، أربع، ست، ثمان، غير الوتر، الوتر الأول يكفيه، وقد ثبت عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يصلي بعض الأحيان ركعتين بعد الوتر وهو جالس، وهذا -والله أعلم- ليبين للناس أن الصلاة بعد الوتر جائزة، غير محرمة، وإنما الأفضل أن يكون الوتر هو آخر الصلاة، أن يختم صلاته بالوتر؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم- : (اجعلوا آخر صلاتكم في الليل وترا). فالأفضل أن يختم بالوتر، لكن لو قدر أنه أوتر ثم تيسر له نشاط وقام في آخر الليل فلا بأس، يصلي ما تيسر، ركعتين أو أربع ركعات، ولا حرج في ذلك، والحمد لله.