كيفية صلاة النبي ودعائه بعدها

الصلاة واجبة على كل إنسان، وهذا أمر مفروغ منه، إلا أنه اختلط لدينا الحابل بالنابل -هذا تعبيره شيخ عبد العزيز- في كيفية أداءها، وذلك من ناحية أقوال العلماء والمشايخ في كيفية الأداء، ولكي يكون الإنسان على علم بذلك أي الطريقة الصحيحة لأدائها كما يؤديها رسول

الإجابة

قد كتبنا في هذا رسائل فيما يتعلق بكيفية صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وفي عظم شأن الصلاة وأداء الصلاة في الجماعة، أرجو أنها وصلت إليك أيها السائل، ولا مانع من إرسالها إليك. أما ما يتعلق بمعرفة ذلك من طريق هذا البرنامج فنوصيك أيها السائل وسائر الإخوة بالعناية بسنة الرسول -صلى الله عليه وسلم- ومراجعة الأحاديث الصحيحة الواردة في ذلك، في الصحيحين وفي غيرهما وفي مثل المنتقى للمجد ابن تيمية، وبلوغ المرام للحافظ ابن حجر -رحمه الله-، ومثل عمدة الحديث للشيخ العلامة عبد الغني بن عبد الواحد بن علي المقدسي -رحمهم الله-، وهكذا الكتب التي جمعت في الحديث الشريف، مثل رياض الصالحين، ومثل جامع الأصول. والخلاصة أنه -عليه الصلاة والسلام- كان إذا قام إلى الصلاة كبر ورفع يديه حيال منكبيه، وربما رفعهما إلى أذنيه -عليه الصلاة والسلام-، قائلاً الله أكبر في أول الصلاة: الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر والنوافل، يقول: الله أكبر، هذا أول شيء في الصلاة، وفي الحديث (تحريمها التكبير) ثم يأتي بالاستفتاح وهو دعوات يقولها قبل القراءة، وربما كانت أذكاراً، فمن ذلك: (سبحانك الله وبحمد وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك)، وهذا الاستفتاح كله ذكر، ومن ذلك: (اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالثلج والماء والبرد)، وهذا أصح ما ورد في هذا الباب، وكله دعاء، ومنها: (اللهم جبريل وميكائيل وإسرافيل فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم) وهذا من أجمع أنواع الاستفتاح، وهناك استفتاحات أخرى تجدها في محلها من كتب الحديث، ولكن هذه الثلاثة من أخصرها ومن أثبتها، ثم بعد هذا تقول: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم * بسم لله الرحمن الرحيم) ثم تقرأ الفاتحة (الحمد لله رب العالمين) إلى أخرها، والفاتحة هي أعظم سورة في القرآن الكريم، وهي ركن الصلاة، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)، فيقرأها الإمام، ويقرأها المنفرد، ويقرأها المأموم، لكنها في حق الإمام والمنفرد آكد وأوجب، واختلف العلماء في وجوبها على المأموم على أقوال: أحدها: أنها تجب على المأموم مطلق في السر والجهر، والثاني: أنها تجب عليه في السرية لا في الجهرية، والثالث: أنها لا تجب عليه لا في السرية ولا في الجهرية، ويتحملها عنه الإمام. والأرجح أنها واجبة عليه في السر والجهر، لعموم الأحاديث الدالة على ذلك، لكن إذا لم يأتِ إلا والإمام في الركوع فإنه تجزئه الركعة؛ لأنه لم يحضر وقت القيام، فهو معذور لما صح عن رسول الله -عليه الصلاة والسلام- في صحيح البخاري -رحمه الله-؛ أن أبا بكرة الثقفي جاء والنبي -صلى الله عليه وسلم- في الركوع، فركع ثم دخل في الصف، ركع وحده ثم دخل في الصف، من الحرص، فلما فرغ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال له: (زادك الله حرصاً ولا تعد)، يعني لا تعد في الركوع دون الصف بل اصبر حتى تدخل في الصف، ولم يأمره بقضاء الركعة، فاحتج العلماء وهم والأئمة الأربعة على أنها تجزئه، هذه الركعة لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- لم يأمره بالإعادة، فدل على سقوط الفاتحة عمن جاء والإمام راكع، وهكذا لو نسي المأموم أو جهل سقطت عنه، فليس مثل الإمام والمنفرد. والفاتحة لها شأن عظيم كما تقدم، فإنها أعظم سورة في كتاب الله -عز وجل-، فالمشروع للمؤمن عند قراءتها أن يتدبرها ويتعقلها في الصلاة وخارجها، فقد صح عن رسول الله -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: يقول الله -عز وجل-: (قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين -يعني الفاتحة سماها الصلاة- فإذا قال "الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ" قال الله: حمدني عبدي، وإذا قال: "الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ" قال الله: أثنى علي عبدي، وإذا قال: "مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ" قال الله: مجدني عبدي، فإذا قال: "إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ" قال الله -سبحانه-: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل -يعني إياك نعبد حق الله وإياك نستعين حاجة العبد يستعين بربه-، فإذا قال: "اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ" قال الله -سبحانه-: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل)، يعني هذا سؤال من العبد يطلب الهداية وله ما سأل، فهذا وعد من الله أنه يعطيه الهداية، فهي أشرف مطلوب الهداية، فينبغي لك أيها القارئ، أيها المؤمن أيها المؤمنة ينبغي لكلٍ منكما تدبر هذه السورة والعناية بها، والخشوع فيها والإقبال عليها عند قراءتها، وهكذا عند قراءة جميع القرآن، كما قال الله -سبحانه-: كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ[ص: 29] ولهذا إذا قال: "ولا الضالين" يقل: آمين، سواءٌ كان في الصلاة أو في خارجها، السنة أن يقول: آمين، الإمام والمأموم والمنفرد في الصلاة وخارجها، آمين، معناها استجب يا ربنا، ثم بعد ذلك يقرأ الإمام والمنفرد سورةً بعد الفاتحة، أو آيات بعد الفاتحة، كما كان النبي يفعل -عليه الصلاة والسلام-، ويطيل في الفجر مثل ق، مثل سورة ق، والطور، والنجم إذا هوى، اقتربت الساعة، المسبحات، وما أشبهها من السور، والظهر كذلك قريب من الفجر، يطيل في الأولى والثانية، وتكون الثانية أقصر من الأولى بعض الشيء، وتكون العصر أخف من الظهر، يقرأ سورة أو آيات بعد الفاتحة في الظهر والعصر في الأولى والثانية، لكن تكون العصر أخف من الظهر، كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام-، وفي الثالثة والرابعة يقرأ الفاتحة فقط، الثالثة والرابعة من الظهر والعصر والعشاء الفاتحة فقط، وفي المغرب في الثالثة يقرأ الفاتحة فقط، وربما قرأ النبي -صلى الله عليه وسلم- في الظهر زاد عن الفاتحة في الثالثة والرابعة فإذا قرأ بعض الأحيان في الثالثة والرابعة الزيادة بعد الفاتحة بعض الآيات أو بعض السور القصيرة فهو حسن ومستحب في بعض الأحيان، تأسياً بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، فقد ثبت عنه هذا في صحيح مسلم من حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-، ثم يركع رافعاً يديه مثلما رفع عند الأولى، يرفعهما حيال منكبيه، أو حيال أذنيه، تارةً وتارة تأسياً برسول الله -عليه الصلاة والسلام-، ثم يسوي ظهره ورأسه في ركوعه، ويضع يديه على ركبتيه مفرجة الأصابع، ويجافي عضديه عن جنبيه لا يلصقهما في جنبه، خاشعاً لربه مطمئناً، يقول: "سبحان ربي العظيم، سبحان ربي العظيم، سبحان ربي العظيم"، وإذا زاد على ذلك فقالها: خمساً أو ستاً أو سبعاً أو أكثر من ذلك فهو حسن، لكن لا يطيل إذا كان إماماً إطالة تشق على المأمومين، وقد ثبت عن أنس -رضي الله عنه- ما يدل على أنه -عليه الصلاة والسلام- كان يطيل في الركوع والسجاد، وجاء عن غير أنس أيضاً، وجاء في بعض أحاديث أنس أنه كان يعد له في الركوع والسجود ما يقرب من عشر تسبيحات، فهذا يدل على أن السنة الطمأنينة وعدم العجلة في الركوع والسجود، فيقول: "ٍسبحان ربي العظيم، سبحان ربي العظيم، سبحان ربي العظيم" في الركوع "سبحانك الله ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي" قالت عائشة -رضي الله عنها-: (كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده سبحانك الله ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي) متفق عليه. ثم يرفع من الركوع رافعاً يديه حيال منكبيه أو حيال أذنيه كما فعل عند الركوع، وكما فعل عند الإحرام، قائلاً: "سمع الله لمن حمده" إن كان إماماً أو منفرداً، ثم بعد هذا يقول: "ربنا ولك الحمد" بعد انتصابه قائماً يقول: "ربنا ولك الحمد" أو "ربنا لك الحمد" بدون واو أو "اللهم ربنا لك الحمد"، أو "اللهم ربنا ولك الحمد" كله جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، ثم يكمل حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، ملئ السماوات وملئ الأرض أو ملئ ما بينهما وملئ ما شئت من شيء بعد" هذا هو الأفضل، ولو اقتصر على "ربنا ولك الحمد" كفى، لكن كونه يكمل أولى وأفضل، ويطيل هذا الركن ولا يعجل؛ لأن الرسول كان يطيل -عليه الصلاة والسلام- حتى يقول القائل: قد نسي، وزاد في بعض الأحاديث بعد: (وملئ ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد) كل هذا وهو واقف بعد الركوع، هذا هو الكمال، إذا انتصب قائماً الإمام والمنفرد بعد قوله سمع الله لمن حمد، يقول: "ربنا ولك الحمد، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه ملئ السماوات وملئ الأرض، وملئ ما بينهما، وملئ ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد)، وإن اقتصر على البعض كفاه ذلك، أما المأموم فعند الرفع يقول "ربنا ولك الحمد"، المأموم عند رفعه من الركوع يقول: "ربنا ولك الحمد" أو "ربنا لك الحمد" أو "اللهم ربنا ولك الحمد" كله جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام ثم يكمل حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه ملء السموات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد هذا هو الأفضل، ولو اقتصر على ربنا ولك الحمد كفى، لكن كونه يكمل أولى وأفضل، ويطيل هذا الركن ولا يعجل، فإن الرسول كان يطيله عليه الصلاة والسلام حتى يكون القائل قد نسي، وزاد في بعض الأحاديث بعد: وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد، كل هذا وهو واقف بعد الركوع، هذا هو الكمال إذا انتصب قائماً للإمام والمنفرد بعد قوله سمع الله لمن حمده يقول ربنا ولك الحمد، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، ملء السموات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد، وإذا اقتصر على البعض كفاه ذلك، أما المأموم فعند الرفع يقول: ربنا ولك الحمد، المأموم عند رفعه من الركوع يقول ربنا ولك الحمد، أو اللهم ربنا لك الحمد أو اللهم ربنا ولك الحمد يقول هذا تارة وهذا تارة كله حسن، لأن الرسول عليه السلام قال: إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد، فلم يأمره أن يقول سمع الله لمن حمده بل يقول ربنا ولك الحمد، قال بعض أهل العلم أنه يقول سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد يجمع بينهما كالإمام ولكن هذا قول ضعيف مرجوح والصواب أن المشروع أن يقول: ربنا ولك الحمد، فلا يحتاج أن يقول سمع الله لمن حمده بل هذا خاص بالإمام ثم يكمل بعد انتصابه يقول: حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه ملء السموات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد، وإن كبر إمامه قبل أن يكمل كبر مع إمامه، وترك الباقي. إذا كبر الإمام قبل أن يكمل كبر معه وركع ما الإمام.