صيام الحسنة

السؤال: هل يجوز -شرعًا- صيام الحسنة -مثل صيام يوم عرفة- وعليه دين من رمضان؟

الإجابة

الإجابة:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

فإن كان السائل الكريم يَقصد من صيام الحسنة صيام التَّطوُّع - كما هو ظاهِر من المثال الذي ضربه - فإن كان كذلك، فليعلم أن العلماء قد اختلفوا في جواز التَّطوُّع بالصوم قبل قضاء رمضان، فذهب الحنفيَّة إلى جواز التَّطوُّع بالصَّوم قبل قضاء رمضان من غير كَراهَة؛ لكون القضاء لا يجب على الفَور، وذهب المالكيَّة والشَّافعيّة إلى الجواز مع الكَراهة، وذهب الحنابلة -في رواية- إلى حرمة التَّطوُّع بالصَّوم قبل قضاء رمضان، ولو اتسع الوقت، واستدلوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من صام تطوُّعًا وعليه من رمضان شيء لم يَقضِه؛ فإنه لا يُتَقبَّل منه حتى يَصومَه" (رواه أحمد في مسنده). ولكنه لا يصِح لما فيه من الاضطراب كما قال ابن أبي حاتم، وفي إسناده ابن لهيعة، ويَنضاف إلى ذلك أن في سياق الحديث ما هو متروك؛ فإنه قال في آخره: "ومن أَدركه رمضانُ وعليه من رمضان آخر شيء لم يقبل منه"، قاله في "الشرح الكبير"، ونقله البهوتي في "كشاف القناع"، وهما من كتب الحنابلة.

والرواية الثانية عن الإمام أحمد: أن التطوع قبل القضاء يجوز ويصح، وهو الراجح، وصوَّبها المرداوي في "الإنصاف"؛ لأن قضاء رمضان واجب على التراخي وليس على الفور؛ لقوله الله تعالى: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 185]. ولم يقيد الله تعالى القضاء بالاتصال برمضان ولا بالتَّتابُع، وما روى البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: كان يكون عليّ الصوم من رمضان، فما أستطيع أن أقضِيَه إلا في شعبان". قال الحافظ في "الفتح": "وفي الحديث دلالة على جواز تأخير قضاء رمضان مُطلَقا سواء كان لعذر أو لغير عذر؛ لأن للحديث حُكم الرفع؛ لأن الظاهِر اطلاع النبي - صلى الله عليه وسلم - على ذلك، مع توفر دواعي أزواجه على السؤال منه عن أمر الشرع، فلولا أن ذلك كان جائزًا لم تواظب عائشة عليه". باختصار يسير.

وقال الإمام النووي في "شرح مسلم": "ومذهب مالك وأبي حنيفة والشافعي وأحمد وجماهير السلف والخلف: أن قضاء رمضان في حقِّ من أفطر بعذر؛ كحيض وسَفَر يجب على التراخي، ولا يُشترط المُبادرة به في أول الإمكان، لكن قالوا: "لا يجوز تأخيره عن شعبان الآتي؛ لأنه يُؤخِّره حينئذ إلى زمان لا يقبله، وهو رمضان الآتي؛ فصار كمن أخَّره إلى الموت".

ومما سبق يتبين أن الراجح هو جواز صيام التَّطوُّع قبل قضاء ما عليه من رمضان؛ لأن المسألة مَبنيَّة على جواز التراخي في قضاء رمضان،، والله أعلم.